الخميس، 28 أكتوبر 2010

التنظيف معركة لا تنتهي

(1)
موضوع خفيف، غرفتي في الغالب مرتبة نظيفة طوال الوقت إلا من الغبار الذي سيتراكم مع مرور الوقت وقد وجدت أن التنظيف اليومي السريع للأسطح والأرض كفيل بحل هذه المشكلة، السؤال كيف أفعل ذلك؟ هناك قطع من القماش تباع في الأسواق - أو كانت تباع - تستخدم لجمع الغبار، كل علبة تأتي مع مجموعة من هذه القطع التي تستخدم مرة واحدة ثم ترمى في سلة المهملات، المشكلة أنها لم تعد متوفرة في السوق والمشكلة الأهم أن شرائها إهدار للمال وتلويث للبيئة.

لكي أوفر على نفسي أخذت قميصاً قطنياً قديماً وقطعته لقطع مختلفة، هذا كل ما أحتاجه، عندما تتسخ قطعة ما أنظفها بالماء وأعلقها، في اليوم التالي تكون جاهزة.

إضافة: إن لم تكن ترغب في صنع شيء فهناك في الغالب شخص ما في الإنترنت صنعه، مثلاً بحثت في موقع إتسي فوجدت العديد من النتائج لأقمشة التنظيف القابلة للغسل.

(2)
كنت مع الأخ أسامة في معرض جيتكس وفي طريقنا إلى المعرض تحدث أبو عامر عن فكرة موقع يجمع مثل هذه الأفكار، كل الناس لديهم أفكار صغيرة لإنجاز أمور مختلفة، ألن يكون جميلاً أن نجمعها في موقع واحد؟ ابحث عن مصطلح lifehack وستجد مواقع مختلفة أشهرها Lifehacker والذي يعرض أنواعاً من الأفكار لكل شيء، من تنظيم الملفات على في الحواسيب إلى تنظيم المطبخ، وهناك موقع WikiHow الذي يقدم دليلاً ودرساً لكل شيء حتى كيفية وضع رسالة في زجاجة!


هذه فكرة موقع أتمنى أن أراها قريباً.


(3)
إذا كان لديكم أي أفكار مماثلة حول أي شيء متعلق بالتنظيم أو المنزل فشاركوني بها، في تعليق أو في موضوع صغير في مدوناتكم.

معاملات بأسرع طريقة

طرحت سؤالاً في تويتر للموظفين عن المعاملات وكيف ينجزونها وتكررت إجابة: نأخذ إجازة.

حقيقة هذا أمر يضايقني فالأجازة في رأيي شيء يجب أن يقضيه المرء في الراحة لا العمل، والراحة ليست بالضرورة النوم وعدم فعل شيء بل قد تكون التنزه أو السفر أو قضاء وقت مع أفراد العائلة أو في هواية ما، أما إنجاز معاملات في مؤسسات حكومية أو خاصة فهذا لا أسميه إجازة بل هو عمل خارج العمل.

من المفترض أن توفر المؤسسات كل الطرق الممكنة لإنجاز المعاملات بأسرع وقت:
  • بالهاتف
  • البريد
  • موقع في الشبكة
  • إرسال مندوب إلى صاحب المعاملة
  • وأي طريقة أخرى ممكنة.
كثير من المعاملات يمكن اختصارها أو تصميمها بحيث لا تحتاج إلى حضور صاحب المعاملة إلى المؤسسة، وهذا أمر ليس بجديد أو مجهول فمؤسسات في دول مختلفة توفر مثل هذه الخدمات حتى لا تضيع وقت الناس.

لنفكر بالأمر قليلاً، عندما يخرج الموظف من عمله فهو يخسر يوم إجازة أو أكثر لكي ينجز عمله، مؤسسته تخسر ساعات من الإنتاجية، الموظف نفسه يضيع ساعات في الطريق وللبحث عن موقف، ثم ينتظر دوره والذي قد لا يأتيه إلا بعد ساعة أو ساعتين أو أكثر - مرحباً ضمان! - ثم ربما يتوجب عليه الحضور مرة أخرى لكي يستلم المعاملة أو نتيجتها والتي قد تكون بطاقة كان يمكنهم إرسالها بالبريد.

هذا شخص واحد فقط، أضرب التكلفة والساعات الضائعة بعدد تقدره للموظفين الذين خرجوا من عملهم في يوم واحد وتصبح الساعتين مئات الساعات ولا أدري كم ستكون تكلفة الإنتاجية الضائعة في هذه الساعات، ثم فكر بالسيارات التي تبث تلويثها في الهواء وكم تحتاج هذه السيارات من الوقود في الشوارع والمواقف المزدحمة، قضاء نصف ساعة أو حتى ساعة بحثاً عن موقف لم يعد أمراً مستغرباً حتى بعد ظهور شركة مواقف.

ما أريد أن أقوله أن اختصار وتبسيط المعاملات سيكون في صالح الجميع، في صالح الفرد وفي صالح الدولة ولا أرى سبباً لعدم فعل ذلك سوى أن الإدارات لم تفكر بالأمر أو ربما ليس لديها إرادة أو دافع لفعل ذلك.

الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

ما نشرته عن الهند

أجمع هنا كل ما نشرته عن الهند، ذهبت في رحلتين ولكل رحلة كتبت عشر مواضيع ونشر الأخ د محسن النادي مجموعة مقالات، هذا موضوع سيكون مفيداً لمن يرغب في إرسال رابط واحد لكل ما كتبته عن رحلة الهند وما نشره أخونا د محسن النادي.

مقالات د محسن النادي:
الرحلة الهندية:
الرحلة الثانية:

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

افتتاح عالم التصوير

افتتحت بالأمس مدونة عالم التصوير، مدونة متخصصة في كل ما يتعلق بالتصوير، يشارك فيها العديد من الكتاب والمصورين.

الأحد، 24 أكتوبر 2010

فليكر عاد ... ليتنفس الجميع

منذ حجب فليكر قبل سنوات وأنا أكتب منتقداً حجبه بين حين وآخر وفي كل مرة أتحدث فيها عن حجب المواقع، فليكر كان ولا زال بالنسبة لي المتنفس، المكان الذي أزوره بحثاً عن أفكار جديدة أو صور لمقالات أو حتى صور ترشدني لمواضيع جديدة لا أعرفها، كنت مثلاً أبحث عن الحواسيب الأوروبية فأجد حواسيب فرنسية وسوفيتية وغيرها فأبحث عن أسمائها في غوغل لأقرأ مقالات عديدة وأكتشف عالماً جديداً.

لكن عندما حجب فليكر ظهرت إضافة لفايرفوكس تسمح بتجاوز الحجب، اتصالات غيرت طريقة الحجب فلم تعد الإضافة تعمل فأعاد برمجتها المطور وعادت للعمل مرة أخرى، وتغير شيء ما في طريقة الحجب لتصبح الإضافة غير مفيدة لكن جاء مطور آخر وبرمج إضافة مختلفة لفايرفوكس سمحت لي ولغيري بالوصول إلى فليكر مع أنه محجوب.

الآن فليكر عاد كله إلا قسمين، البحث المتقدم والمجموعات، حجبوا البحث المتقدم لأن الباحث يمكنه البحث عن صور غير لائقة، لا بأس بذلك، ليحجبوا البحث حتى لو كان يحوي خاصية مفيدة جداً لي وهي البحث عن صور مرخصة برخص حرة، لكن ما سبب حجب المجموعات؟ هذا أمر لا أفهمه، المجموعات عبارة عن منتديات صغيرة يضع أعضائها مجموعة من الصور في مكان واحد ويطرحون مواضيع للنقاش، كثير من المجموعات مفيدة بمواضيعها وكذلك مفيدة لأنها توفر طريقة للبحث بسرعة في مجموعة كبيرة من الصور.

على الأقل عاد الموقع، واستغللت العودة سريعاً برفعي لجميع صور رحلتي الهند وقد رتبتها في قسم خاص بها، ستجد الصور في هذا القسم مرتبة من الأحدث إلى الأقدم، وهناك مجموعة أخرى سميتها ألوان وقد تحدثت عنها سابقاً، التقطت صوراً للجدران وألوانها ووضعتها في هذه المجموعة، مجرد هواية.

مع عودة فليكر بدأت أجرب خاصية جديدة وهي المعارض، يمكن لأي عضو في تويتر إنشاء ما يريده من معارض، المعرض يمكنه أن يحوي 18 صورة كحد أقصى ولا يمكن إضافة صورك لمعارضك بل فقط صور الآخرين، الهدف هنا أن تكون معرضاً لموضوع واحد وتضع ما تراه أفضل الصور، وقد أنشأت ثلاث معارض:
  • الخط العربي، حاولت جمع أفضل لوحات الخط العربي، فن جميل يتذوقه الناس حول العالم.
  • أبوظبي، المدينة التي أعيش فيها، البحث عن صور لأبوظبي كان صعباً لأن أكثر الصور كانت لمعالم سياحية كقصر الإمارات أو لسيارات فخمة أو لقوارب سريعة أو لمعارض العقارات وهناك القليل من الصور المتعلقة بالمدينة نفسها، هذه دعوة للأخوة والأخوات المصورين، التقطوا صوراً لداخل أبوظبي وليس للأماكن الجميلة فقط، التوثيق مهم لأن صور اليوم ستكون وثائق مهمة بعد عقود.
  • نوافذ وجدران، صور بسيطة قليلة التفاصيل لجدران ونوافذ، هذا كل شيء، لدي هوس بالجدران الملونة!
  • الزراعة في مدينة طوكيو، هذه المدينة لضيق مساحاتها لم توفر مساحات خضراء كثيرة لذلك سكانها يضعون أشجار الزينة في أي مكان مناسب، وهذا المعرض يجمع بعض صور أشجار طوكيو لعل أحداً يستفيد من هذه الأفكار في مدننا العربية.
يبقى أن أذكر بأن جميع صوري في فليكر مرخصة برخصة حرة، افعل ما تشاء بالصور ولا تستأذن لكن بشرط ذكر المصدر، وفليكر يشترط أن تضع رابطاً لمصدر الصورة، بمعنى آخر عليك أن تضع الرابط ولا تكتفي بذكر اسمي فقط، وهذه دعوة للجميع بإتاحة صورهم برخصة حرة، لا يجب أن تطرح كل صورك بهذه الرخصة لكن حاول أن تجعل بعضها حرة وتذكر أن صورك قد يستخدمها أي شخص في العالم، شخصياً رأيت بعض صوري في مواقع أجنبية وقد ذكروا المصدر وهذا يسعدني.

الجمعة، 22 أكتوبر 2010

تخلص من إدمان الشاي، الآن!

مشاركة من الأخ أحمد م. أبوزيد

الشاي ذلك النبات ذي الصيت الشائع في أرجاء العالم، الذي يعد من أكثر المشروبات انتشارا على مستوى العالم عموما والدول العربية خصوصا، له العديد من الفوائد لاحتوائه على العديد من مواد وعناصر تفيد الجسم، ومضادات الأكسدة التي تقي من الكثير من الأمراض، لكن هذا يتوقف على شربه بالشكل المناسب، فمهما كان الشيء مفيدا فإن الإكثار منه أو استعماله بشكل خاطئ سيؤدي إلى نتائج عكسية! لكن من الواضح أننا على المستوى العربي نبالغ في شرب هذا الشاي سواء من حيث الكميات أو من حيث الكثافة، وانتشار شرب الشاي أدى إلى حلوله مكان العديد من المشروبات الأخرى، واصبحت نسبة شرب الشاي للمشروبات الأخرى المفيدة أكثر من ٩٠٪ لصالح الشاي! الطريف أن هذا الوضع يمتد من الخليج للمحيط، لكن في المشرق يشربون الشاي الأسود (يسمى أيضا الشاي الأحمر) وفي المغرب يشربون الشاي الأخضر، وفي كِلا الحالتين نشربه بطريقة مبالغ فيها وخاطئة!

لن اتكلم هنا عن الفرق بين أنواع الشاي، وكون الشاي الأسود والأخضر هما من نفس النبتة لكن الأول يتعرض لعملية تخمر بخلاف الثاني، ولن اتكلم عن جمال الجبال المكسوة بشجيرات الشاي في الهند وماليزيا، لن اتكلم حتى عن فوائد الشاي حيث إن للشاي فوائد كثيرة معروفة، ولكن كأي مادة له سلبيات أو أضرار جانبية خصوصا إذا شُرِب بشكل مبالغ فيه، مثل التأثير على الكلى، الإمساك، التأثير على امتصاص بعض العناصر النافعة مثل الحديد والكالسيوم. ومع أسلوب الحياة الحديث الذي يفتقر إلى الطعام الصحي والوجبات الغذائية المتكاملة، تتضاعف أضرار الشاي بشكل واضح.

تتعد السلوكيات الخاطئة في شرب الشاي، فبعض الناس يشرب كميات كبيرة من الشاي يوميا، شخصيا لي أحد الأصدقاء كان يشرب ما بين ستة إلى ثمانية أكواب من الشاي يوميا، وانتهى به الحال بمشاكل في البواسير بسبب الإمساك واضطر لعمل عملية لعلاج البواسير (صدقني لن تحب تجربة أي علاج للبواسير!) وهناك من يبالغ في غليه مما يؤدي إلى إطلاق مادة تسبب الإمساك.

كذلك من السلوكيات الخاطئة في شرب الشاي هي شربه ثقيل جدا، فتجد الكثير من الناس يشربون شايا كالحبر! بل أعتقد أنك إذا وضعت مصباحا كهربائيا في منتصف كوب الشاي لن ترى ضوءه من الناحية الأخرى!

أيضا لربما سمعت عن الأشخاص الذين يعانون من الصداع الشديد بسبب عدم شرب جرعات الشاي التي اعتادوا عليها كل يوم، وأصبح لديهم أختيار من اثنين، إما أن يشربوا الشاي وإما أن يشربوا المسكنات. ويظهر هذا بشكل واضح في شهر رمضان حيث يكون الامتناع عن الطعام والشراب لفترة طويلة نسبيا، مما يجعل للمسكنات حصة أساسية ضمن وجبة السحور!

أخيرا، بالنسبة للكثير، أصبح الشاي أكثر من مجرد مشروب، وشربه أكثر من مجرد عادة! قد لا يكون إدمانا بالمعنى الدقيق للإدمان طبقا لمنظمة الصحة العالمية، ولكنه أضحى قريب جدا من الإدمان، والعديد من الأشخاص لا يستطيعون القيام بمهامهم اليومية دون شرب عدد معين من أكواب الشاي! فإذا كنت تشعر أنك تشرب الشاي بشكل مبالغ فيه، أو أنك لا تشرب سوى الشاي، فكر من جديد، يوجد العديد من المشروبات الأخرى مفيدة جدا لجسمك، وهذا المقال سيساعدك في التخلص من شرب الشاي -بل وأي مشروب آخر- بشكل مبالغ فيه.

وأحب التذكير، أن الغرض من هذا المقال ليس الامتناع عن شرب الشاي لأن الشاي له فوائد كثيرة، إنما هو للإقلال من شرب الشاي والتذكير بمشروبات أخرى لا يشربها الكثير بالرغم من فائدتها.

استراتيجيات التخلص من الإكثار من الشاي
في البداية لابد الحديث عن الاستراتيجية رقم "صفر"! وهي استراتيجية عامة لكنها أهم الاستراتيجيات على الإطلاق! نتكلم هنا عن الإرادة، أي تغيير مهما كان بسيطا يحتاج إرادة قوية، حل أي مشكلة في العالم يحتاج في المقام الأول لإرادة وعزيمة، إذا فشلت في التعامل مع مثل هذه المشكلة الصغيرة في حجمها، الكبيرة في أثرها، فلا تسأل بعد ذلك لماذا تفشل في أشياء أكثر أهمية، أو حتى مصيرية! عوّد نفسك دائما أن تتعامل مع كل المشاكل، من أصغرها لأكبرها، بل الأصغر أولا لكي لا تتفاقم أو تتراكم، فالجبال تتكون من مستصغر الحصى!

نرجع لمرجوعنا : )

توجد ثلاث استراتيجيات بسيطة للتخلص من هذه المشكلة، وهم بالترتيب التخفيف، التنكيه، التغيير، أو كما أحب أن أسميهم "٣ت".

١. التخفيف.
يعتبر التخفيف وسيلة جيدة كبداية للأشخاص الذين يشربون الشاي ثقيلا بشكل مبالغ فيه، يجب ألا يكون الشاي ثقيلا جدا وإذا كان كذلك فيجب أن يكون في حدود نصف الكوب العادي.

بكل بساطة هذه الاستراتيجية تقوم على وضع كمية أقل من الشاي، فقط قلل كمية صغيرة جدا كل مرة، يمكن أن تتبع هذا الأسلوب كل يوم أو كل يومين، لكن المهم أن يكون التغيير بسيط. على نهاية الأسبوع الأول ستجد أن الشاي مازال قريب من لونه الذي اعتدت عليه، لكن في الأسبوع الثاني ستجد تغير، ولكن من ناحية أخرى لن تشعر بيه بشكل واضح لأنه تم تدريجيا.

وفي كل الحالات يجب ألا يكون الشاي ثقيلا جدا، يفضل أن يكون لونه فاتح وليس قاتم، فحتى إذا لم تكن تشرب الشاي كثيرا، فاجعل المرات التي تشربه فيها أكثر فائدا وأقل ضررا.

٢. التنكيه.
الاستراتيجية الثانية، هي التنكيه، أي إضافة نكهات أخرى للشاي. يوجد العديد من النباتات الأخرى التي يمكن مزجها بالشاي لتعطي طعم مميز للشاي بالإضافة لفائدها، سواء كنت تريد التخلص من الإكثار من شرب الشاي أو حتى سئمت من طعم الشاي الصرف، فجرب إضافة نكهات للشاي!نظريا يمكن إضافة أي شيء للشاي! يمكن أن تجرب إضافة أي نبات آخر كنكهة إضافية للشاي، لكن يوجد بعض النكهات شائعة ومستساغة أكثر من غيرها، أهم هذه النكهات هي كالتالي:

قرفة، قرنفل، نعناع، ليمون، زنجبيل، حليب\لبن، ينسون، شمر\شمار، كراوية، مرمرية، حبهان\هيل.

٣. التغيير.
كما ذكرت سابقا، يعتبر الشاي من أكثر المشروبات انتشارا، واحتل مكان العديد من المشروبات الأخرى والتي لا تقل فائدا عن الشاي؛ لذا اعط لنفسك فرصة للتعرف على الشروبات الأخرى خلافا للشاي.

بالتأكيد لا أحثك على الإقلال من الشاي لتذهب لبنت عمه القهوة أو ابن أخيه النسكافية، بل لأشياء أروع مثل التي استعملتها نكهات للشاي (قرفة، قرنفل، نعناع، ليمون....) فهم في الأساس يشربون بشكل مستقل، هل جربت من قبل مشروب القرفة؟ وما رأيك في الحليب بالقرفة؟ (طعمه رائع جدا، نصيحه جربه!) الينسون؟ الحلبة؟ كمون؟ وماذا عن المشروبات الباردة؟ عصائر الفاكهة؟ مخفوق الزبادي بالفواكه؟ لمونادة، كركديه، خروب، عرق سوس؟ أو حتى هل جربت الشاي المثلج؟ الطبيعة مليئة بالعديد من الأشياء المفيدة لصحتك فلا تحرم جسمك منها : )

إذا كنت في المشرق ما رأيك في تجربة الشاي الأخضر على الطريقة المغاربية؟ وإذا كنت في المغرب العربي ما رأيك في تجربة الشاي الأسود مع النعناع أو القرفة؟

ملاحظات عامة.
  • قالوا قديما: “مازاد عن حده انقلب ضده”، فأي شيء مهما كان مفيدا إذا أُفرط في استخدامه سيكون ضرره أكثر من نفعه؛ لذا عليك الاعتدال والترشيد في كل شيء، خصوصا ما يدخل جسمك، وليس معنى أنك تشرب مشروبات طبيعية أن ليس لها ضرر! فأولا وأخيرا كل نبات يحتوي عناصر كيميائية مختلفة، فالإكثار من شيء ما يعني زيادة هذه العناصر في جسمك عن المطلوب،  وهذا ملا تريده بالتأكيد.
  • احرص على شرب قدر كافي من الماء كل يوم، فالماء أفضل وسيلة للتخلص من السموم في جسمك، ويساعد على قيام الكليتين بوظائفهما. الكثير من الأشخاص لا يشربوا كفايتهم من الماء في الشتاء بسبب الطقس البارد، فتأكد من شرب القدر الكافي خصوصا في الشتاء حيث أن حر الصيف سيجبرك على الشرب. لكن تذكر ألا تفرط في شرب الماء.
  • احرص كذلك على ممارسة الرياضة بشكل منتظم اثناء الأسبوع، أبسط شيء خصص بعض الوقت للمشي، لكن راعي ارتداء ملابس وحذاء مناسب أثناء المشي، كي لا تتحول جلسة الرياضة لجلسة تعذيب. أيضا ركوب الدراجات الهوائية من الأشياء الرائعة جدا.
  • إذا كان لا قدر الله لديك أحد الأمراض المزمنة مثل القلب أو الضغط، يجب عليك استشارة الطبيب بخصوص المشروبات التي يمكنك شربها، فبعض المشروبات بها مواد قد تزيد من المرض، أو تتفاعل سلبا مع الدواء الذي تتناوله.
  • أيضا إذا كنت تستعمل نظام تشغيل مليء بالفيروسات والبرامج الخبيثة، أو كثير التعليق مما يزيد من توترك وبالتالي تشرب الكثير من الشاي والقهوة يوميا فقط لتستطيع التعامل مع نظام التشغيل الممل هذا، ربما عليك أن تجرب نظام التشغيل الرائع جنو\لينُكس فهو سريع التطور، حر مفتوح المصدر، مستقر وآمن، ولا يوجد به فيروسات وقابل للتخصيص بشكل ممتاز. أو ما رأيك بتجربة البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر على نظام وندوز؟ هذا سيساعد أيضا. نعم نعم، هذه مجرد دعابة لا أكثر D:، لكن البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر تستحق التجربة، فجربها ; )

الخلاصة.
إذا كنت تكثر من شرب الشاي أو تشرب الشاي فقط، فابدأ بتنكيه الشاي وجرب مشروبات أخرى لذيذة ومفيدة لجسمك، عندما تشرب الشاي اشربه بالطريقة الصحيحة لا تشرب الكثير من الأكواب في اليوم الواحد، لا تجعله كثيفا ضع كمية قليلة من الشاي، لا تغليه انما استعمل اسلوب النقع وهو اضافة الماء المغلي إلى الشاي الجاف.

احرص على شرب القدر الكافي من الماء خصوصا في فصل الشتاء، مارس الرياضة بانتظام، ابسط شيء رياضة المشي أو ركوب الدراجات الهوائية.

أخيرا، بالرغم من اني تحريت اكبر قدر من الدقة بخصوص المعلومات الواردة بهذا المقال، وبالرغم من كون المقال لا يحتوي أي علاج أو وصفات طبية، لكن يجب التأكيد على أني لست طبيبا أو متخصصا، كل ما في هذا المقال عبارة عن معلومات ونصائح عامة ليس أكثر.

مصدر الصورة: ويكي كومونز. المقال مرخص تحت رخصة الابداع المشترك: النسبة للكاتب، أي لك مطلق الحرية في نشر، نقل وبناء نسخة مشتقة من الموضوع، بشرط الاشارة إلى الكاتب الأصلي.

Creative Commons License
(Creative Commons — Attribution 3.0)

ودمتم بألف صحة وعافية، محبكم أحمد م. أبوزيد : )

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

عين على الهند 3

La Martiniere College, Lucknow.

مشاركة من الأخ د. محسن النادي

في القسم الاخير من هذه الثلاثيه احببت ان أفصل التجربة الدراسية في الهند، الدراسة في الهند هي باللغة الانجليزيه لاغلب التخصصات وليس شرطا أن تتقنها كأهلها لكي تنجح في مجال دراستك.

الجامعات الهنديه تنقسم بين الممتاز والرديء وكلما انتقلنا للارياف والمناطق البعيده عن عاصمة اي ولاية يكون التعليم أقل حظا، نظام الدراسة سنوي في اغلب الجامعات وهي بحسب النظام البريطاني القديم واغلب التخصصات تعطي البكالريوس في ثلاث سنوات والماجستير في سنتين والدكتوراه قد تستغرق من 3-4 سنوات حسب نوع الدراسة.

لكل ولاية هنالك نظام خاص بالاجانب من حيث عدد المقاعد المخصصه لهم او من حيث الدفع كاقساط، عندما كنت طالبا كنا نعامل كالهنود بلا تفرقه لكن الان الوضع اختلف واصبح الدفع بالدولار الان هنالك جامعات خاصه تنهب المال ولا تعطي ذلك التعليم المطلوب.

قوة الدراسة والبرنامج الدراسي عادة ما يواكب الغرب لكنه يعتمد بشكل اساسي على الطالب في جده واجتهاده والتزامه بالدوام وانخراطه مع بقية الطلاب والاستفادة منهم.

الجامعة الهنديه تكون مكونة من عدة كليات تابعة لها وقد تكون الكلية عباره عن تخصص واحد او شاملة لعدة تخصصات، الطالب يجب أن يكون مسجل في الجامعة الام وليس فقط في الكلية التي يدرس بها وهنا يقع كثير من الطلاب في مشاكل معقده بحيث يتخرج من الكلية ولا يتخرج من نفس الجامعه التي تتبع لها الكلية لذلك اشدد على من يريد الدراسة في الهند ان يكون له رقم تسجيل من الجامعة التي تتبع لها الكلية التي انخرط فيها ولا يكتفي برقم التسجيل من الكلية فقط.

جميع التخصصات موجودة في الهند لكن عليك ان تتاكد من اعتماد البرنامج الدراسي لدى اتحاد الجامعات الهندية في العاصمة دلهي قبل ان تنخرط فيه، نعم هنالك بعض البرامج تكون معتمدة من الكلية والجامعة ولا تكون معتمدة من قبل اتحاد الجامعات بسبب ضعف ذلك البرنامج.

هنالك عدة جامعات اسلامية فيها الكثير من التخصصات الرائعه وهي عريقة، تخرج منها الكثير من مشاهير الهند مثل جامعة عليكرا وجامعة ميليا.

التعليم الشرعي ايضا رائع ويختصر الوقت على الدارس ففي ثمان سنوات تكون قد حصلت على الدكتوراه في العلم الشرعي ولعل اشهر الاماكن هو ديوبند القريب من دلهي.

الهند بطبيعتها بلد محافظ ومن السهل على اي انسان ان يصون نفسه من الحرام فليس هنالك السفور الشديد ولا تلك النظرة الغربية للجنس باقمة علاقة خارج نطاق الزواج، لذلك قليل من الطلاب من يفشلون لهذا السبب والاقل هم من اقترن بهندية كزوجة له.

نظام السكن للطلاب يكون اما داخلي اي بغرف تابعة للكلية التي يدرس بها الطالب وعادة تكون متواضعه جدا في اثاثها وصغيره اما تتسع لشخص او اثنين وهنا انصح اي طالب باخذ السكن الداخلي ان توفر فهو رائع لانك تحتك بالطلاب الهنود فتتعلم منهم وتكون على دراية بما يحيط بك اضافة لميزه اخرى وهي توفر الطعام الذي لن يكون طبعا كما تعودت عليه لكن يمكن التاقلم معه، النوع الاخر من السكن خارجي اما في بيت، غرفة مستقله او بالعيش مع عائله انا جربت السكن الداخلي والغرفة المستقلة ولم اجرب العيش مع عائله نهائيا.

الاكل بالنسبة للطالب مشكلة ان كان مقيم في سكن خارجي فهو يستهلك الكثير من الوقت لكن كحل يمكن أن تشترك مع بعض الطلاب في شقة وتوظيف خادم ليقوم برعاية شؤون الطبخ والتنظيف والغسيل ولاحظ امر مهم ان العائلات الهنديه ترفض ان تؤجر الغرف المفرد للعزابيه وكم تعبت انا من هذا الامر لذلك قد تتعب وانت تبحث عن سكن مناسب.

المطاعم الهندية متنوعة ايضا لكني لا احبذ ان يعتمد عليها الطالب فهي تستهلك الكثير من الميزانيه وبنفس الوقت لن يكون طعامها صحيا طوال الوقت.

يجب ان يكون طعامك خالي من البهارات الحريفة والفلفل الحار ولا باس في تناول وجبة او اثنتين في الاسبوع كذلك يجب الحذر من مصدر المياه والافضل شراء فلتر مسامي للتخلص من الرواسب فيها فحجم التلوث يكون عالي خاصة في موسم الامطار.

اغلب الطلاب يختارون المتورسيكل للتنقل لرخص ثمنه وصيانته البسيطه لكن حوادثه ايضا كثيره لذلك يجب عليك تقدير احتياجاتك وشراء ما يناسبك كوسيله للتنقل.

الجو في الهند موسمي والحراره صيفا لا تطاق لذلك عليك اختيار المكيف المناسب لك واغلبها يكون صحراوي اي التبريد من خلال الماء والقش وانصح ان يكون لديك ثلاجة صغيره الحجم ومروحه متنقله تخزن الكهرباء في حال انقطاعها ليلا يمكنك على الاقل تكملة النوم للصباح.

السفر من بلدك للهند تستطيع ان تحصل على خصم الطالب على تذكرة السفر وايضا تستطيع كذلك الحصول على نفس الشيء في الرحلات الداخليه.

السفر داخل الهند اما يكون في القطار وهنا يجب ان تحجز لك مكان قبل السفر بفتره او عبر الحافلات التي انصح بها في السفرات القريبه من 6-10 ساعات اما اكثر من ذلك   فيكون القطار او الطيران هو الخيار المناسب.

البوليس ونظام القضاء في الهند مترهل والرشوة فيه وارده لذلك ان حدث معك اي مكروه فعلك بطلب سفارتك او ممثل عن اي جمعيه انسانيه بل وتطلب الصحافة ان لزم الامر.

قد تكون هذه اهم ما اتذكر من نقاط عن الهند لكن تبقى تجربة الاقامه فيها اما للعمل او الدراسه غنية بكل معانيها خاصة ان عاملت الهنود بانسانيه وتعاليت عن الاحكام المسبقة.

ودمتم سالمين

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

عين على الهند 2

مشاركة من الأخ د. محسن النادي
 
نكمل بقية الموضوع والشكر موصول للاخ عبد الله المهيري الذي اتاح لنا فرصه الحديث عبر مدونته.

سأتحدث عن نوعية من يزور الهند من العرب كما لاحظته وخبرتي هذه ناتجة عن مدة مكوثي في الهند على مدار 9 سنوات تقريبا كنت فيها دارسا وعاملا ايضا حيث انهيت دراستي للعلاج الطبيعي ومن ثم عملت نفس المجال واكملت التخصص في الطب البديل وبذلك خبرت الحياه كما هي بلا رتوش.

العرب الذين قابلتهم، إما طلاب علم إن كانو يبحثون عن العلم الدنيوي من دراسة بمختلف انواعها (من تعلم اللغة الإنجليزية إلى نيل درجة الدكتوراة) أو العلم الشرعي فقد كان هنالك طلاب يأتون من لبنان والأردن ويدرسون بكلريوس شريعة في ثلاث سنوات ومن ثم الماجستير في سنتين وبعدها يكون الطريق ممهدا امامهم اما للانتقال الى جامعات السعوديه او الازهر لاكمال الدكتوراه وبذلك يختصرون الوقت والجهد والمال طبعا.

السياح من العرب قلائل -على الاقل من الذين قابلتهم- واغلبهم يكونون من بومباي وللاسف اغلبهم للمتع الرخيصه، بين الفترة والاخرى كنت أقابل عوائل أساعدهم بالقدر الذي استطيع.

الصنف الاخر من السياح (اسميها السياحة الدينية) هم من الاخوة من جماعه الدعوة والتبليغ وكنت اشاهدهم في منطقة نظام الدين اوليا والحقيقة كنت أستمتع بصحبتهم كثيرا لنقاء سريرتهم وحسن ضيافتهم.

المتدربون ممن يأتون ضمن بعثات لبلدانهم وبما ان موقع كلّيتي كان قريبا من مركز التتدريب التقني فقد كنت التقي معهم كثيرا خاصه في المسجد القريب من المركز وقد قام احدهم بتحديث المسجد على نفقته الخاصه فبارك الله فيه.

العرب ممن ياتون للعلاج، وللأسف كانو يتعرضون لعمليات نصب خاصة في مجالات زراعة الكلى والعمليات الصعبة وكم كنت أحزن حين أراهم في المستشفيات الحكومية الهندية بعد أن يتم تخليصهم من أيدي مافيات العلاج.

العرب طالبي الزواج وأغلبهم للأسف كهول وكم من قضية أثيرت على المستوى القومي وتغنت بها الصحافة الصفراء ليعاد تسفيرهم بعد ان يخسروا الوقت، المال، وماء الوجه.

التجار من العرب وقد عملت في الترجمة مع إخوة من السعودية والكويت والإمارات وأغلبهم على خلق ودين وكم تعرضت لاغراء المال من اجل إتمام صفقات على حساب العرب ورفضي دائما كان يسبب لي المشاكل مع الهنود حتى وصل الامر للاعتقال والضرب، نوع آخر من التجار لا بد من الاشارة اليه وهم تجار الشنطه ممن ياتون لتحميل ما خف حمله وغلا ثمنه فياخذون بضاعه معينه كالاحجار شبه الكريمه ويبيعونها في تركيا مثلا بضعف ثمنها ويكون مربحهم كافي لسداد قيمه الرحله اضافة لمصروف الجيب.

أيضا نتحدث عن العرب طالبي المعرفة الهندوكيه وهم قلة قليله وأغلبهم من لبنان حيث ياتون لتعلم اليوجا وفلسفة الهند القديمة وبعضهم للأسف مسلمين خلطو مفاهيمهم بين الواقع والخيال وحجتهم أن طلب العلم والمعرفه فريضة على المسلمين إن قامو هم به سقط الاثم عن الباقين، انا شخصيا تعلمت اليوجا ومارستها كرياضة بل ودرست فلسفاتها ضمن تخصصي في الطب البديل لكني على إيمان وقناعة تامه ان ركعتين لله بقلب خاشع تزن هذه اليوجا وفلسفتها منذ تأسيسها الى يومنا هذا.

المقيمين من العرب قلائل ايضا في تلك الفتره على الاقل واغلبهم من اصحاب الاعمال وملاكي بعض الاملاك وقسم منهم من الطلاب تقطعت بهم سبل العودة الى اوطانهم اما بسبب فشلهم في الدراسة او لاسباب اخرى خاصة بهم.

لا بدّ من الاشارة هنا الى الشاب الفلسطيني الذي ادعى الالوهية في الهند وله اتباع يعدون بالملايين وله حادثه معروفة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات حيث طالبه الاخير بالتصويت لصالح حزب المؤتمر الهندي بزعامه غاندي آن ذاك، فاحتج المدّعي ان اتباعه اكثر من عدد الشعب الفلسطيني فما كان من عرفات الا ان اسكته بقوله ان تتحكم في بشر وانا اتحكم بالهة مثلك كما تدعي.

ولعل مقطع من قصيدة تميم البرغوثي تحضرني الان في وصفي من في الهند ( فيها الزنج والافرنج، والقفقاج والصقلاب والبشناق والتتار والاتراك ... اهل الارض والهلاك والفقراء والملاك والفجار والنساك ... فيها كلّ من وطيء الثرى).

حجم الجرائم بالنسبه لعدد السكان قليل جدا ولا يقارن مع حجمه في الغرب كالقتل والاغتصاب والسرقات، رأيت في اغلب فئات الشعب قناعه عجيبه بالمقسوم ويدعونها الكرما وكما ذكرت من قبل ان عقيدة تناسخ الارواح لديهم تجبر الشخص على فعل الامر الجيد لاجل ان يعود في هيئة انسان ولا تعذب روحه في مختلف الكائنات قبل عودتها لادميتها.

ما زالت الهند غنية بمعارفها وهي بنظري كنوز مدفونه من المعرفة الانسانيه اما ما يخص المسلمين منها فما نشر هو اقل القليل فما زالت هنالك مخطوطات مهمة اما في حوزة الدولة او تلك التي لدى الافراد فاي باحث مجدّ يمكن ان يجني ثروة معنويه او مادية من خلال تنقيبه عن تلك المخطوطات والقيام بنشرها.

الهند الان ليست كما هي قبل 14 عاما ايّ منذ اخر زيارة لي هناك ,فقد تطورت بشكل رائع ونمت اقتصاديا كذلك، لكن تبقى روح ورائحة البهارات هي المسيطرة على بلد فيه قمة التكنولوجيا الرقميه من مبرمجين واجهزة وقمة التخلف ايضا في فقر مقدع يعيش فيه الناس ويموتون وهم على الرصيف.

في نظري لكي تفهم الهند من داخلها عليك ان تعيش فيها وتخالط مختلف فئات الشعب وتعيش في الريف والمدينه وتتنقل في مختلف الولايات، ومن بعدها قد تخرج بنتيجة غير مرضي عنها لتبقى هذه البلد عصية على الفهم الكامل.

الأحد، 17 أكتوبر 2010

نظرة عن كثب ... عين على الهند 1

مشاركة من الأخ د. محسن النادي

Jain Temple, Ranakpur

يبدو ان الاخ عبد الله المهيري سوف يعشق الهند ويذوب في غرام طبيعتها ,فقد يفكر يوما ان يستقر بها او ان يجعلها مقصده كلما ضاقت به الدنيا من حوله, بناء على دعوة كريمة منه اتابع سرد بعضا من ذكرياتي في الهند حيث تعلمت وعملت فيها ما بين العام 1989-1997.

لكي نفهم الهند يجب علينا فهم طبيعة الديانه التي تحكم الناس فالهندوكيه تتفرع منها واليها ملايين المعتقدات ما بين المعقول واللامعقول, الا انها في اساسها تنبع تقريبا من اصل واحد فيقال ان اصلها التوحيد وتمت اضافه الكم الهائل لها من التفسير المنحرفه وبذلك وجدت الالهة والاصنام وتقديس الحيوانات وغيرها .... وقد جمعني موقف مع استاذ علوم السنسكريت وهي لغة الهند القديمه حيث اخبرني ان ذكر النبي محمد عليه السلام قد ورد في احد كتبهم المقدسه بالنص الصريح والتلميح وقال لولا خوفة على راسه لقام بنشر ابحاثه الى العالم اجمع.

ما يهمنا هو الديانة -ان صح تسميتها كذلك- الان تقوم على التفرقة الطبقيه حيث ينقسم المجتمع الى اربع طبقات كل منها يحوي الكثير من الفروع ايضا وهي باختصار:
  • طبقة الكهنة وهي الاعلى وتكون عادة في سدة الحكم وهم من يتحكم في اغلب الاقطاعات ورؤوس الاموال اليوم مهمتم قديما كانت تنحصر في المعابد وتفسير الكتب المقدسه لديهم اضافه الى اتعباد باقي الطبقات بطريقه او اخرى فهي مسخرة لخدمتهم
  • طبقة المحاربين ومهمتم حماية المعابد والدوله وهم في اغلبهم قواد الجيش الحالي
  • طبقة التجار ومهمتهم البيع والشراء يمتازون بحب وكنز المال واكثرهم الان تجار تجزئه او مقاولون.
  • اخيرا الطبقة المنبوذه وهي تعتبر من اخس الطبقات لديهم فلا يحق لهم ملامسه باقي الطبقات حتى ظلهم لا يجوز ان ياتي فوق من هم اعلى منهم مرتبه.

فقط للعلم هنالك تمايز شديد بين هذه الطبقات فلا يحدث بينها مصاهره ولا علاقات اجتماعيه بالمعنى الذي نفهمه، وهي في الارياف اشد وضوحا منها في المدن ومن خلال خبرتي في الهند اقول ان الوضع يحتاج الى قرون لكي يصلح او ان يدخل عموم اهل البلاد في معتقد جديد.

اضافه للهندوكيه هنالك الجينيه ,البوذيه ,السيخ, وعبدة الاوثان، الهند بطبيعتها شبه قاره فهي تحوي الجبال ,السهول الخضراء,الصحراء القاحله والشواطيء الرائعه حيث تطل على بحر العرب ,خليج البنغال والمحيط الهندي لذلك تتنوع الاعراق فيها ولا يكاد يجمعها غير حبهم للفلفل وعملة الهند الروبيه فلا تاريخ ولا لغة مشتركة او عادات وتقاليد تحكمهم والمفارقات فيها لا تنتهي فتجد ان اول حزب شيوعي حكم ولايه كان في الهند في انتخابات حرة ونزيه وبدون انقلاب دموي .

للعرب والمسلمين دور بارز في نهضة الهند ويمكن ان نجمل التاثير بامرين الفتوحات من الشمال واغلبها قام بها المغول واشهر قوادهم الغزنوي ومن ثم اورانكزيب الذي يعتبر الخليفه السادس من ورعه وزهدة وتقواه ....ولعل السلطان تيبو اول من تنبة الى خطر الانجليز فحاربهم بلا هواده والثاني عن طريق التجار خاصه في الجنوب حيث تجد اصول لقرى تعود للعرب وتستدل عليهم من مظهرهم...وهنالك ايضا العلماء الاجلاء في داخل الهند حفظو لنا الكثير من العلوم في الدين والدنيا طوال فترة الخمول التي اصابت المسلمين في عصورهم المتوسطه.

عدد سكان الهند يفوق المليار ولا يوجد عندهم اي قوانين لتحديد النسل كما في الصين لكن مما لاحظت ان المتعلمين منهم يميلون الى انجاب فرد او اثنين كحد اقصى بينما في الارياف قد يصل عدد افراد الاسره الى عشرة او يزيد، العبوديه ما زالت موجوده لكنها تاخذ طابعا مقنعا من حيث الخدمة في البيوت باجر اقل من 100 دولار سنويا حيث يتكفل المالك بالطعام والشراب واشياء اخرى!

بيع النساء للخدمات الجنسيه ما زال يمارس وهنالك القليل من القضايا التي تطفو على السطح لكن ما خفي كان اعظم بكثير ....اذكر انني في فتره التدريب كنت في مستشفى الليدي هادنج في دلهي وهو قريب من المنطقه الحمراء حيث المتعه الرخيصه فكانت بعض الحالات تاتي للعلاج بحراسة مشدده من قبل الديوث وعلمت من بعضهن انه تم بيعهن بمبالغ وصلت الى 10 الاف روبيه وهن لا يستطعن الفرار بسبب الحراسه وبسبب عدم وجود مكان يهربن اليه.

كل طوائف الهندوكيه تقدس البقره التي تعتبر الام بالنسبه لهم وهي اهم من الام الحقيقية فتجدها تسرح وتمرح في الشوارع وتقدس وتطعم ممن الجميع ولا يذبح او يؤكل لحمها نهائيا وجميع الهنادكه نباتيون علما ان في تعاليم الكتب القديمه هنالك ذكر لذبح واكل الحيوانات من قبل الهة الهندوس.

ليس عندهم فكرة عن البعث والعقاب بل يعتقدون بتناسخ الارواح وهي بجملة بسيطه تقول ان الروح الجيده تنتقل الى انسان اخر بعد الموت ولكن الروح الخبيثه قد تتنقل بين الكائنات الاخرى الاحط من الانسان كعقاب لها حتى تعود الى جسم انسان مرة اخرى لذلك تجدهم حريصين على التطهر في مياه نهر الجانج في اخر حياتهم لكي يغسلو ذنوبهم كما يعتقدون.

لم يجدد ابليس الرجيم حججه مجددا طوال 14 قرنا فكما سئل اهل مكة عن سبب عبادتهم لاصنام لا تضر ولا تنفع كانت اجابة الهنادكة نفسها لتقربنا الى الله زلفا فهم بجوابهم لا يعتقدون في الصورة او الحجر لذلك الصنم بل بالروح التي تحوم حوله وبذلك التماثيل يتقربون الى الخالق ولعلي اذكر قصة تفاهتهم في تحدي قام بيني وبين صديق حيث قلت له ان الهنود سوف يقدسون شجرة كانت بطرف البناء الذي نقيم فيه ....ولمده اسبوع قمت بتعليق الورد واشعال البخور حولها بعدها اخذ كل سكان البنايه يفعلون نفس الشيء وخلال شهر كانت مقدسه لديهم، قمت شخصيا بخلعها وكادت ان تحدث مظاهرة في الحي اسفا على الشجرة المقدسه.

وضع المسلمين في الهند يختلف باختلاف الولايات كما يختلف باختلاف الفرق فمن كان من اهل السنة والجماعه كانت اوضاعهم صعبه من حيث التوظيف والعمل ومن كان ابعد كان حظهم اوفر الا ان التمييز يصيب الجميع في حال حدوث اضطرابات عرقيه وطائفيه ولعل احداث مسجد بابري وما حدث فيها من مجازر على الهوية خير مثال على ما اقول ولقصة هذا المسجد اقول باختصار ان باحثة انجليزيه اخبرت الهنود ان مكان ولادة الالهة رام حدثت في مكان بناء المسجد وهم اخذوا الامر على علاته بدون تمحص او تثبيت وقامت الغوغاء من حزب متطرف بهدم المسجد لتعقد محاكمات لاثبات احقية المسلمين بالارض والمسجد لتنتهي الان بتقسيم الارض 2-1 لصالح الهنادكه، لكن على الارض بقي المسجد مهدما والحراسة عليه من كل جانب، وانا شخصيا كدت اموت في هذه الاحداث حيث كنت عائدا الى منزلي مساء لأقع في يد الغوغاء وبعد امساكي وتقييدي تعرف علىّ احدهم فقال اجنبي فتركوني.

للحديث بقية فاصل ونعود

السبت، 16 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 10

السبب الأساسي لسفري للمرة الثانية إلى الهند كانت مدرسة صغيرة في منطقة جبلية نائية، هذه المنطقة تحتاج لسيارة دفع رباعي لكي نصلها، قبل الرحلة الأولى أخبرني داوود عن حاجة هذه المنطقة لمدرسة وكيف أن المدرسة القديمة مبنية من الطين وربما تسقط في أي لحظة فوق رؤوس الأطفال، وجدت متبرعاً للمدرسة وبدأ البناء، في الرحلة الأولى زرت المدرسة القديمة ورأيت بدايات المدرسة الجديدة.

IMG_0085
المدرسة القديمة، الجدران كانت مشققة والسقف قديم قد يسقط في أي لحظة.

IMG_0082
مكان المدرسة الجديدة ولم ينجز منها إلا أعمدة الأساس.

Al Noorania
في الرحلة الثانية افتتحت المدرسة وكانت الهدف الأساسي من الرحلة هو حضور حفل افتتاحها، لم أستطع التقاط إلا هذه الصورة وبسرعة بسبب الزحام وممارسة رياضة البحلقة!

المدرسة تستخدم كمسجد أيضاً لأن أقرب مسجد على مسافة بعيدة ولا توجد إضاءة ولا طريق معبد في هذه المنطقة.

IMG_0292
بقايا المدرسة القديمة.

كان هناك جمع كبير من الناس ينتظرون وصولنا وكان معنا المصور الهندوسي يوثق كل شيء بكاميرا فيديو وقد أرسلوا لي نسخة من هذا التصوير ولم أشهادها بعد، أعدوا وليمة ومجموعة من الخطب وطلبوا من أن أخطب فيهم فاعتذرت، لا أفهم كلامهم ولن يفهموا كلامي فليس هناك مترجم، خطب فيهم داوود بخطبة قصيرة وفي نهاية الحفل جاؤوا بقطع من القماش خفيفة وفيها خيوط بلون الذهب، الإمام هناك أخذ واحدة وكلم داوود وطلبوا مني الجلوس على كرسي! سألت داوود ماذا يفعلون؟ قال اجلس فقط فجلست وضع الإمام قطعة القماش على كتفي وبدأوا في التكبير والتهليل، قمت من مكاني فجلس داوود وفعلوا نفس الشيء له وتكرر الأمر مع المهندس عبد الحميد ومع الإمام، عرفت لاحقاً أنها عادت تمارس كلما فتحوا مسجداً أو مدرسة، لا زلت أحتفظ بقطعة القماش البنفسجية المذهبة، لم يكن الأمر محرجاً ولا أظن أنني سأشعر بأي إحراج مثل الذي شعرت به في رحلتي الأولى عندما استقبلوني وداوود بغناء: طلع البدر علينا! ... كنت أريد أن تنشق الأرض لتبلعني وللأسف لم يحدث ذلك.

هكذا أكون قد انتهيت من الكتابة عن الرحلة الثانية، على أمل أن أذهب في رحلة ثالثة ورابعة.

الرحلة الثانية - 9

butterfly
في أول ليلة فتحت باب حمام الغرفة فوجدت أمامي مباشرة هذه الفراشة الخضراء، هل يعرف أحدكم نوعها؟

My room
جانب من غرفتي.

My room
الجانب الآخر، الكرسي هذا مريح مع أنه لا يبدو كذلك وقد كنت أستخدمه لأمرين، القراءة ومكان لوضع المنشفة لمحاولة تجفيفها لكن بلا فائدة، الرطوبة في موسم المطر عالية.

airplane in the ceiling!
جزء من سقف الغرفة، داوود طلب من الصباغين أن يطلوا هذا الجزء بلون مختلف فجاء بهذا الشكل الذي يبدو كالطائرة، كان نقطة مناسبة للتحديق عندما لا يكون لدي شيء أفعله سوى التحديق والانتظار.

IMG_0090
نبتة لا أعرف ما اسمها أعجبني شكلها فقط.


هذه منطقة عالية حفرت وجرفت مرات عديدة حتى وصلت لمستوى الطريق، بعض الأشجار الكبيرة لم تقطع فبقيت عالية بهذا الشكل الذي ترونه، كنت أصور من مساحة عالية تحوي مسجداً وفي الجانب الآخر من المسجد جرف الرمل وسويت الأرض لتصل إلى مستوى الشارع، أي أن المسجد الآن في مرتفع من الأرض ومن كل جانب جرفت الأرض، والآن يعاني المسجد من تآكل مساحة التربة حوله بسبب المطر وقريباً سيضطرون لإغلاقه وهدمه.

indian jeep
مهيندرا مايجور، سيارة جيب هندية، تعجبني.

IMG_0204
بوابة بيت داوود.

Ceramic tiles painting
رسومات على السيراميك فوق باب بيت داوود.

Ceramic tiles painting
الرسمة الثانية فوق الباب.

Kerla beach
شاطئ بحر العرب في كيرلا

بقي موضوع واحد سأنشره اليوم إن شاء الله.

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 8

هذا الموضوع وما يليه سيكون موضوعاً مصوراً.

Jamalabad
جبل جمال آباد، لا يبعد هذا الجبل عن بيت داوود إلا كيلومترات قليلة ومع ذلك لم أزره في الرحلة الأولى ولم يكن من الممكن زيارته في الرحلة الثانية بسبب المطر الذي سد الطريق للجبل، في رأس الجبل هناك قلعة لتيبو سلطان وخزان ماء كبير.


في طريقنا إلى مدينة تشكماغلور توقفنا في الطريق المطل على الوادي وقد فعلنا ذلك في الرحلة الأولى لكن الفرق الآن أن المطر زاد الأرض حياة واخضراراً.

In the road to Chikmagalur
محمد بن داوود يلتقط صورة وأنا أبحث عن شلال كبير في الجهة المقابلة من الوادي.

In the road to Chikmagalur
أضع هذه الصورة لأبين فقط مستوى التصحر في رأسي، لدي صفتان من أهم صفات أي مدير، الكرش والصلعة وبإذن الله الصلعة ستزداد تألقاً ولمعاناً مع مرور السنين!

In the road to Chikmagalur
من اليمين: محمد، داوود وعبد الحميد المهندس، هو الذي أشرف على بناء مسجدي أبي ومدرسته وكذلك مدرسة جديدة ويشرف الآن على مسجد يبنى في منطقة قريبة من تشيكماغلور.


الماء ينزل من الجبل بارداً صافياً، كان الناس يغرفون بأيديهم ليشربوا منه.

rice paddy
بعد عبور الجبال زرنا بلدة صغيرة فيها مسجد بحاجة لتوسعة وخلف المسجد حقول الأرز.


أعجبني تجمع الماء على الورقة.

IMG_0160
أساس المسجد أنجز وقريباً سترفع الجدران، بإذن الله سينتهي العمل في المسجد في رمضان المقبل.


بعد زيارة موقع المسجد زرنا منزلاً ثم دعينا لمنطقة طبيعية جميلة، سهل واسع ثم ينزل نحو حقول الأرز ثم تأتي الجبال.

مزيد من الصور في الموضوع القادم.

الخميس، 14 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 7

في رحلتي الماضية كانت الخطة أن أبقى لمدة أطول من 10 أيام وكان ذلك يتضمن أن أزور ولاية كيرلا لأكون ضيفاً في بيت أهل زوجة داوود، لكن ذلك لم يحدث لأنني قطعت رحلتي فكانت رحلتي الثانية فرصة للوفاء بالوعد وزيارة البيت، وفي هذا اليوم وعدني داوود بزيارة مكانين، مسجد مالك بن دينار وقلعة السلطان تيبو.

كيرلا كما يقول داوود اسمها في الأصل جاء من "خير الله" وهذا هو الاسم الذي اختاره الصحابة الذين وصلوا للهند أول مرة ونزلوا في أحد موانئ كيرلا، في الشبكة بحثت عن أصل الإسم فوجدت في ويكيبيديا رواية أخرى، وهذا الأمر يتكرر مع كثير من تفاصيل تاريخ الهند، في الكتب والمصادر الأخرى تجد رواية وعند الناس روايات مختلفة، فأيهما تصدق؟

الطريق إلى كيرلا كان طويلاً وكنا نقصد مقاطعة كاسراكود وبالتحديد بلدة كاسراكود (Kasaragod)، خرجنا في الصباح الباكر وبدأنا اليوم كالمعتاد، نشاط وحيوية أول الصباح، إفطار خفيف قبل الخروج من المنزل وفي الطريق حديث متنوع وصمت لتأمل الطبيعة ورؤية كل شيء غير مألوف بالنسبة لي وهذا يعني الكثير، كنا نمر فوق جسور يجري تحتها الماء وكلما اقتربنا من كيرلا ازداد طول هذه الجسور، الأنهار الصغيرة تنزل من الجبال فتسير إلى بحر العرب في رحلة طويلة ثم تلتقي وتجتمع فتصبح نهراً كبيراً، عبرنا فوقه على جسر طويل وكان الضباب يغطي كل شيء تحت الجسر فلم أرى النهر إلا عند العودة.

نمر بغابات ومزيد من الجسور ومزيد من الأنهار، توقفنا عند منطقة يريد داوود أن يريني فيها مسجداً بحاجة لتجديد، وصلنا لمرتفع من الأرض فوجدنا جمهوراً من الناس ينتظرون، كانوا يعرفون أننا سنصل في هذا اليوم، نزلت من السيارة فلم أرى مسجداً فأخبرني داوود أنه في أسفل التل فنزلنا ببطء ووصلنا إلى ساحة من الأرض فوقها بني المسجد الكبير ومدرسة بجانبه، دخلت المسجد فإذا بداخله مسجد آخر! المسجد الداخلي قديم وبني قبل 100 عام بالطين والخشب ومن بناه هو جد إمام المسجد وآخرون، بعد عقود احتاجوا لتوسعة المسجد فبنوا حول المسجد القديم، المشكلة الآن أن المسجد القديم بحاجة لإعادة بناء بالكامل وهذا يعني إعادة بناء لكل المسجد، القديم والجديد.

توضأت وصليت ركعتين ثم جلست في المسجد مع داوود وحولنا الناس وبدأت ألاحظ الخطيب الذي وقف أمامنا وأخرج ورقة أعدها وبدأ خطبته العصماء! مرحباً بالشيخين داوود البلتنجادي وعبدالله المهيري والمهندس عبد الحميد، كرر أسمائنا مرات كثيرة وأثنى ومدح وأنا لا أدري أين أذهب بوجهي، الحمدلله كانت خطبته قصيرة وجلس وبدأنا الحديث عن المسجد فأخبرونا قصته ثم طلبت من داوود أن يخبر الإمام ألا يسميني الشيخ بل الأخ، فقال الإمام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، فقلت: أكرمتموني برؤيتكم والسلام عليكم ونحن أخوة فسموني أخاً، تبسم الإمام وهز رأسه ثم دعانا لوليمة أعدوها والحمدلله أن إفطارنا في بيت داوود كان خفيفاً.

عدنا للطريق نحو كيرلا الولاية الأقل فساداً كما تذكر بعض المواقع وأظن أن ذلك يرجع لغنى الولاية النسبي مقارنة بغيرها فأهل كيرلا انتشروا في الأرض ويعملون في التجارة، يخرج أحدهم فقيراً فيعمل في الخليج في بقالة ليصبح بعد عقود غنياً يملك فيلا في الهند لا يملك مثلها كثير من مواطني الخليج، وقد رأيت كثير من السيارات التي تدل على غنى أصحابها فالسيارات في الهند ليست رخيصة فأي سيارة لم تصنع في الهند تفرض عليها ضرائب ثقيلة قد تصل لمثل سعر السيارة.

Bekal Fort

وصلنا إلى ساحل بحر العرب في الظهيرة والشمس فوق رؤوسنا ونحن متعبون من الطريق، طلب داوود مني أن أنزل ففعلت وذهب ابنه محمد بالسيارة، كنا أمام قلعة بيكال، قلعة عسكرية بناها السلطان تيبو وقد بنيت قبل ذلك قلاع في نفس هذا المكان، أنا بحاجة للقراءة عن هذا السلطان فما أعرفه عنه وعن أبيه قليل.

مشينا فوق جسر صغير يفصل بين الشارع والقلعة ودخلنا فكان أول مر رأيته هناك معبد هندوسي صغير، ثم بوابة صغيرة قبل الوصول لساحة القلعة هنا اشترى داوود تذكرتين واحدة بسعر رخيص له لأنه مواطن هندي وأخرى أغلى لي لأنني سائح ثم رأى محصل التذاكر أنني أحمل كاميرا فدفعنا لهذه أيضاً!

الجو كان حاراً والشمس تضرب رؤوسنا بلا رحمة، هناك فرق بين الشمس لدينا والشمس لديهم، لا أجد مشكلة في المشي تحت الشمس في بلادنا بينما هناك السماء صافية بسبب المطر وليس هناك شيء بيننا وبين الشمس، وعندما دخلنا لساحة القلعة توقف الهواء فالجدران عالية.

مشينا فوق السور مسافة ثم توقفنا عند برج وهناك أخذت بعض الصور لفتحات في البرج صممت لكي يرى الجندي تحت البرج أو أمام البرج، بعد مسافة أخرى نزلنا إلى جزء من القلعة بجانب البحر وكان الهواء هناك قوياً، عدنا للقلعة وتوقفنا لشرب شيء بارد وأكملنا السير، ساحة القلعة تكاد تكون فارغة إلا من الحشائش والورود وهناك خزان ماء وبرج مراقبة وسرداب يقود لخارج القلعة إلا أنه كان مغلقاً في ذلك الوقت.

لم نكمل التجول في كامل القلعة فقد خشيت على نفسي من ضربة شمس وليس هذا وقت مناسب لأي مرض، على أي حال القلعة لم يكن فيها الكثير لنراه، القلعة بنيت بالأحجار المنحوتة وهي بناء صلب قوي واسع، إن زرتها فأنصحك بأمرين، زرها في الصباح الباكر واحمل معك مظلة واشرب كثيراً من الماء إن كانت الشمس لم تختبأ خلف السحاب.

وهذه بعض الصور من القلعة:

Bekal Fort

Bekal Fort

Bekal Fort

Bekal Fort

يمكن رؤية مزيد من الصور في مجموعة أنشأتها في فليكر، ويمكنك رؤية مكان القلعة في خرائط غوغل.

بعد الجولة في القلعة زرنا بيت أهل زوجة داوود وكان الغداء هناك، أجلسوني في غرفة مطلة على شاطئ بعيد بعض الشيء لكن هواء البحر يصل قوياً، مع التعب والمروحة والكرسي المريح كان من الصعب جداً أن أبقى مستيقظاً، كان الجو جميلاً يذكرني بالجو في شتاء الإمارات.

في عصر ذلك اليوم زرت مسجد مالك بن دينار، ابحث عن صوره في الشبكة فأنا لم ألتقط أي صورة له، عقلي كان يفكر بالقصة التي سمعتها عن المسجد، أخبروني أن مالك بن دينار هو أول الصحابة الذين وصلوا للهند ومعه جمع من الصحابة وبنوا هذا المسجد، المسجد الذي بنوه صغير وبني من الخشب وحوله أنجزت توسعات مختلفة، دخلت للمسجد الصغير ورأيت أعمدة الخشب سميكة كبيرة كأنها حجارة من ثقلها، قالوا لي أن كل هذا الخشب جاء من شجرة واحدة فقط.

أنا بحاجة لكتاب عن تاريخ دخول الإسلام للهند لأن هناك شيء ما غير صحيح في هذه القصة، مالك بن دينار كما أعرف هو أحد التابعين فهل هناك صحابي بهذا الاسم أيضاً؟ يمكنني البحث في كتاب يضم أسماء الصحابة لكن للأسف لا أملك هذا الكتاب الآن، النقطة الثانية هي الكتابة القديمة المحفورة على خشب المسجد القديم فقد كانت الحروف بنقاط وما أعرفه أن الكتابة قديمة لم تكن منقطة.

هذا المسجد لأهميته وقدمه أصبح مؤسسة كبيرة وله أنشطة مختلفة، هناك مدرسة دينية، هناك دار رعاية أيتام وهناك رأيت أكبر مقبرة للمسلمين في الهند فالمقابر التي رأيتها سابقاً كانت صغيرة لا تضم إلا بضعة قبور لكن هنا رأيت مساحة كبيرة عن يميني وشمالي.

طريق العودة إلى بلتنجادي احتاج منا ساعات طويلة ووصلنا في العاشرة ليلاً وقد كنت متعباً لدرجة يمكنني فيها النوم ماشياً! تعب ذلك اليوم أصبح ذكريات جميلة اليوم.

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

فرصة أخيرة للتبرع - تحديث 13 أكتوبر

بارك الله في من تبرع وجزاه خيراً، هكذا أتوقف عن تلقي أي تبرعات إضافية.

إن لم تتابع موضوع التبرعات سابقاً أرجو العودة للموضوع الأول والموضوع الثاني لتعرف التفاصيل.


أذكر هنا أن هناك 3 أيام فقط لمن أراد التبرع سابقاً ولم يجد فرصة، أي أموال سأتلقاها الآن ستوضع لصالح إرسال شخص ثالث.


إضافة: الشخص الثالث هي امرأة كبيرة في السن وهي أخت الرجل الذي جمعنا له مبلغ تكلفة الحج، هي مضطرة للذهاب معه هذا العام لأنه المحرم الوحيد المتوفر لها ومن الصعب أن تسافر للحج في العام القادم.


يمكن إرسال الأموال بهذه الطرق:
  • تسليمها نقداً في أبوظبي.
  • من خلال الأنصاري للصرافة، فروعهم متوفرة في كل مدن الدولة.
  • من خارج الإمارات هناك خدمة وسترن يونين، ويمكن استخدامها من داخل الدولة.
  • أعتذر عن تقديم حساب مالي، هذا الخيار لا أستطيع توفيره الآن.
آخر موعد لتسلم أي تبرع هو 14 أكتوبر، أي ثلاث أيام لو حسبنا اليوم، للتبرع راسلني على: serdal@gmail.com

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 6

غنى التفاصيل والتنوع في الهند ستجده في كل شيء، البنايات والمنازل، الألوان والأصوات، الناس واللغات، الأشجار والمخلوقات، كل شيء له تفاصيل صغيرة تستحق أن أكتب عنها وهناك نقاط صغيرة في رحلتي أود الحديث عنها.

(1)
تسمية المنازل أمر لم أره في حياتي بل كنت أقرأ عنه فقط، أذكر بعض القصص وكيف أن المنازل في هذه القصص لها أسماء، أو أقرأ عن تاريخ أوروبا فأجد للمنازل أسماء، في الهند رأيت بعض المنازل تضع لوحات نحاسية صفراء ويكتب عليها بالأسود اسم المنزل، أحد المنازل كان اسمه الفلاح ومنزل داوود اسمه كالندريا وهو كما أخبرني داوود اسم القبيلة التي ينتمي لها داوود، وهذا أمر آخر جديد علي، أعني القبائل في الهند، لأول مرة أسمع عن وجود قبائل في الهند.

Khalandariyya Manzil

(2)
الستائر تستخدم في بيوت المسلمين كباب ثاني، تجد كثيراً من الأبواب تغطيها ستائر خفيفة وقد وجدت الأمر غريباً في البداية لكن اتضح لي أن هذه الستائر لها وظيفة فهي تستر على نساء المنزل فمنازلهم صغيرة والنساء يضطررن للسير من غرفة لأخرى أو من المطبخ للمجلس، أو من داخل المنزل لخارجه والستائر وسيلة رخيصة وبسيطة لحفظ الخصوصية.

(3)
كثير من المنازل تجد فوقها سخانات شمسية، السخان عبارة عن خزان ماء يرتبط به أداة التسخين وهي في الغالب مجموعة من الأنابيب المعدنية والتي قد توضع في صندوق زجاجي، داوود ركب واحداً لأن تكلفة الكهرباء كبيرة والسخانات تستهلك الكثير من الطاقة، وفي الأيام الباردة التي لا تظهر شمس فيها هناك سخان تقليدي يعمل بحرق الحطب.

ما أستغربه هو أننا في الإمارات لم نستفد من وجودنا في منطقة مشمسة طوال العام تقريباً، لو أن كل بناية ومنزل استخدم الطاقة الشمسية لتغطية جزء من احتياجاته ولتسخين الماء لوفرنا الكثير وقللنا استخدام الطاقة غير النظيفة، في المرة القادمة التي تصعد فيها فوق المنزل فكر في المساحات التي يمكن تغطيتها بألواح شمسية أو سخان شمسي أو حتى مزرعة صغيرة، على الأقل ستوفر على نفسك ثمن الطماطم التي يشتكي الناس من ارتفاع سعرها.

wood fired water heater

(4)
سافرت في ليلة 28 من رمضان فوجدت أن رمضان الهند متأخر يوماً عن رمضان الإمارات، أي أنني وصلت في يوم 27 رمضان، الإمارات أكملت الصيام 30 يوماً وكان هذا يوافق يوم 29 من رمضان في الهند وهذا يعني أنني صمت 30 يوماً والهنود من حولي صاموا 29 يوماً، كنت أتمنى أن يكتمل رمضان لديهم 30 يوماً لكي أصوم معهم يوماً إضافياً فيكون رمضان لدي 31 يوماً لكن لم يحدث ذلك إذ كان العيد لديهم متوافقاً مع العيد في دول الخليج.

يوم العيد لم يكن مختلفاً عن يوم العيد في الإمارات، لم أرى شيئاً مختلفاً فكل ما نفعله في الإمارات يفعلونه هم ويضيفون لذلك مزيد من الدعاء والذكر الجماعي، قبل صلاة العيد خطب الإمام بلغتهم وقد كان يقرأ من ورقة بعض الملاحظات ويتحدث بما تيسر له، مما رأيته وجدت أنه يجيد الخطبة بلغتهم فقد جذب انتباه الجميع في المسجد، وعندما سألت داوود عن موضوع الخطبة أخبرني أنه كان يتحدث عن الإخاء والمغفرة والتواصل مع الآخرين، بعد ذلك صلينا ثم خطب بالعربية من كتاب وكانت يغني أكثر مما يخطب.

(5)
هناك درس صغير يتكرر عندما أزور كل مسجد أو مدرسة: النية تهيأ للعمل، من أراد العمل سيجده.

داوود ساهم ببناء كثير من المساجد والمدارس بأن تحدث مع المتبرعين ونسق معهم وقد وجد رفضاً كما وجد قبولاً، لكن قبل كل هذا كانت النية، كثيرون مثل داوود سافروا إلى بلدان الخليج لكنهم لم يعقدوا النية ولم يتحدثوا مع متبرعين، في أكثر من مرة كان داوود يغضب منهم ويحدثهم أنه مسكين مثلهم ومجرد سائق سيارة لكنه استعان بالله وسعى للعمل على إيجاد متبرع وقد وجد واستطاع بحمد الله أن يبني عدة مدارس ومساجد، فلم لا يفعلون نفس الشيء؟

هذا درس في التفاؤل، مهما كانت ظروفك الآن لا تبخل على نفسك بأن تنوي فعل الخير متى ما توفرت لك الفرصة، ضع النية في قلبك وبإذن الله ستجد نفسك تسير أول خطوات نحو إنجاز الهدف، لا تجعل الظروف حولك تمنعك من عقد النية.

(6)
رزق داوود بولدين، الأكبر محمد والأصغر أحمد وكلاهما أصغر من 20 عاماً، محمد متفوق في دراسته وتخصصه في الجامعة هو التاريخ ولديه اطلاع واسع على علم النفس وتاريخ الهند، أحمد ليس متفوقاً دراسياً بل لا يحب المدرسة لكن لديه مهارات مختلفة لا يملكها أخوه، فهو يتحدث لغة التاميل التي تعلمها من التلفاز بينما أخوه لا يتحدثها، يحب الطبيعة ويستطيع أن يتعامل مع الحشرات والطيور والحيوانات بسهولة ولديه مهارة إصلاح الأشياء من الأثاث والأبواب وحتى الإلكترونيات البسيطة.

داوود يحدثني أنه قسى على أحمد في قبل سنوات بسبب المدرسة وكان يحاول أن يجعل ابنه متفوقاً مثل أخيه لكنه أدرك أنهما مختلفان وعليه قبولهما كما هم ولا يحاول أن يجعلهما نسخاً متطابقة.

الناس مختلفون، عليكم قبول ذلك، عليكم قبول الناس كما هم، سواء كانوا طلاباً في مدرسة أو موظفين في مؤسسة، كل شخص له قدرات مختلفة، كثير منا يدرك ذلك جيداً لكنه يتعامل مع الناس على أساس أنهم جميعهم لا يختلفون عن بعضهم البعض، كثير منا يتخذ موقفاً سلبياً من الآخرين لمجرد أن الآخرين مختلفين في شيء ما، في عاداتهم، أفكارهم أو ملابسهم أو حتى أحذيتهم!

(7)
بعض المساجد تضع صندوقاً للتبرعات خارج المسجد وقريباً من الشارع، الصندوق عادة يكون له باب حديدي وقفل كبير وفتحة كافية لإدخال المال، هذه المساجد تعتمد على فكرة أن المسافرين يريدون التصدق قبل سفرهم ولذلك سيجدون هذه الصناديق ليضعوا صدقاتهم فيها، والمساجد تستخدم هذه الصدقات لدعم الإمام الذي يكون غالباً فقيراً والمؤذن كذلك أو تستخدم الصدقات لصيانة المسجد.

الغريب في الأمر أن هذه الصناديق موجودة في مكان عام لا يراقبه أحد ومع ذلك لا يسرقها أحد!

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 5

IMG_0547
مسجد بثلاث مراحل، كل مرحلة بنيت أمام الأخرى.
المجتمع الهندي ليس مجتمعاً واحداً بل هو خليط ثقافات وأديان ولغات والناس يتجاوزون حدود هذه الاختلافات ويتعاملون مع بعضهم البعض ويعيشون حياتهم، في الماضي كانت صورة الهند بالنسبة لي مختلفة فهي الهند وكل من فيها هنود وكلهم يتحدثون لغة أسميها الهندية ويعيش فيها مسلمون وهندوس، هذا كل شيء، لكن كلما قرأت عن الهند اكتشف مدى سذاجة تصوري هذا ومدى عمق اختلاف الثقافات بين الهنود وعندما زرت الهند رأيت بعيني كيف أن الهند منقسمة لقسمين يمكن تمييزهما: المسلمون والآخرون.

المسلمون يمكن معرفتهم بسهولة في الشارع وفي أماكن تجمعهم، ملابسهم وهيئاتهم وأشكالهم وعاداتهم كلها تدل على دينهم وثقافتهم، الآخرون يصعب تمييزهم فمن الصعب تمييز الهندوسي عن البوذي عن معتنق ديانة - أو ربما مذهب - جين، ولعل هناك أديان ومذاهب أخرى لم أسمع عنها.

بالرغم من هذا الاختلاف بين المسلمين وغيرهم فلن تجد المسلمين يعيشون في قرى مدن منفصلة بل يعيشون مع الآخرين، تجد بيت المسلم بجوار الهندوسي وقد تكون هناك صداقة بينهم وقد سمعت داوود يثني على صديق هندوسي ويقول عنه بأنه رجل صالح، الناس بشكل عام يتعايشون مع بعضهم البعض على اختلاف أديانهم.

أين المشكلة إذاً؟ لماذا هناك خلاف بين الهندوس والمسلمين؟ هذا سؤال لا زلت أبحث عن إجابة له لكن الإجابة تكبر كل يوم فمعرفة التفاصيل فالخلاف له تاريخ طويل وازداد بمقدم البريطانيين الذين أتقنوا فن "فرق تسد" واستغلوا العصبيات الدينية ليفرقوا بين الهنود، وبعد البريطانيين جاء الساسة والمتعصبون وحركوا الفتن ولا زالوا لكن اليوم الهند أكثر حكمة مما كانت عليه قبل 60 عاماً.

يخبرني أحد مسلمي الهند هنا في الإمارات عن ضرورة الاحتفاظ بسكاكين كبيرة في منزله في الهند، ويخبرني عن الماضي وعن محاولات بعض الغوغاء من جهلة الهندوس اقتحام بيته، كان يعيش في منطقة تحرقها الفتن الطائفية، لكنه قبل يومين يخبرني أنه باع السكاكين فلم تعد لها حاجة منذ سنين طويلة، البلد أصبح آمناً أكثر من قبل حتى مع محاولة بعض الساسة تحريك الفتنة بتصريحات نارية.

الموضوع لا زال شائكاً والصورة ليست وردية تماماً ولا سوداء، ما أنا متأكد منه أن الوضع اليوم أفضل مما كان عليه قبل عشرين عاماً، على الأقل على المستوى الشعبي، أما على مستوى السياسة فالأحزاب التي تسببت ببعض الفتن بين الهندوس والمسلمين وصلت للحكم في ولايات مختلفة، لذلك هناك نظرة سلبية من المسلمين للسياسين على اختلاف أحزابهم.

المسلمون يعيشون في مجموعات صغيرة من العائلات، تجد مثلاً 30 عائلة في قرية جبلية، و100 عائلة في بلدة صغيرة، و50 عائلة في منطقة زراعية وهكذا، لم أجد مكاناً يجتمع المسلمون فيه بكثافة لتكوين حي كبير إلا في مدينة مانغلور حيث زرنا مسجداً كبيراً تبين أنه بني بأموال المسلمين هناك ويعيش حوله ما يقارب 600 عائلة مسلمة ولأن عددهم كبير استطاعوا تكوين لجنة تنسق أمورهم وتبني المسجد وتديره، هذا لا يستطيعه بقية المسلمين المنتشرين في القرى والبلدات.

نتيجة لهذا الوضع تجد المسلمين بحاجة لمدارس دينية ومساجد كثيرة لكن كل مسجد سيكون بحجم صغير وحتى المسجد الكبير في قياسهم يعتبر صغيراً بالمقارنة بمساجد الإمارات مثلاً، وقد يستغرب المرء كيف يحتاج المسلمون في قرية ما لمسجد مع أن المسافة بينهم وبين قرية أخرى ليست كبيرة، لكن علي أن أذكر أن بعد المسافة أمر نسبي هنا فطول الطريق بالأمتار ليس مهماً بقدر أهمية حالة الطريق والطقس، كثير من الطرق الجبلية بين القرى ليست معبدة ولا مضاءة ويحتاج قطعها لوقت طويل نسبياً وهؤلاء فقراء بحاجة للوقت للعودة لمزارعهم وأعمالهم لكسب الرزق.

كل مجموعة من عائلات المسلمين تعيش في مكان واحد بحاجة لمسجد ومدرسة دينية وبئر للمسجد، من لم يستطع توفير مسجد ومدرسة ففي الغالب يجعلون المدرسة مسجداً أو المسجد مدرسة، وبين القرى والبلدات يبنى مسجد كبير جامع للجمعة والعيدين وأي مناسبة تتطلب اجتماع الناس بأعداد كبيرة.

في ولاية كرناتكا وفي محيط بلدة بيلتانجادي رأيت كثيراً من المساجد تبرع ببنائها رجال ونساء من منطقة البطين في أبوظبي، المنطقة التي أعيش فيها، كنت أود عرض أسمائهم التي وضعت على لوحات رخامية في كل مسجد لكن هذا سيكون انتهاكاً لخصوصياتهم، المهم أن هناك كثير من الرجال والنساء - خصوصاً النساء - تبرعوا لبناء هذه المساجد والمدارس وهم لم يزوروا الهند من قبل أو حتى يروا صورة لما بنوه هناك، وكثير من هذه المساجد ساهم داوود في بنائها بحديثه مع المتبرعين.

وقد رأيت مسجداً ومدرسة ساهم ببناء جزء منها عائلة سعودية، من المؤسف أن الأرض التي بني عليها المسجد لم تعد ثابتة بسبب الحفر حول المسجد، وبعد أعوام قليلة سيضطرون لإغلاقه وهدمه على أمل أن يجدوا متبرعاً آخر يساهم بإعادة بنائه.

في أحيان يجتمع الناس على بناء مسجد وهم فقراء فيجمعون ما يستطيعونه من مال ويشترون أرضاً، وبعد سنوات قد يتمكنون من بناء الأساس، وبعد سنوات يرفعون الأعمدة والسقف، وهكذا يحتاج المسجد لأعوام قد تزيد عن العشر وفي حالات عشرين عاماً لكي يكتمل بناءه، وليس غريباً أن تجد مسجداً بني جزء منه قبل 70 عاماً بالطين وجزء آخر بني بمواد حديثة، رأيت واحداً بني على ثلاث مراحل، كل مرحلة أمام الأخرى فوجدت ثلاث محاريب في مسجد واحد!

هذه نظرة عامة عن أحوال المسلمين هناك، علي أن أذكر بأنني لم أزر سوى جزء صغير من الهند وأن الأوضاع قد تختلف من ولاية لأخرى، أردت فقط أن أبين كيف أن المساجد لا تبنى إلا لحاجة فليس هناك مسجد يبنى في مكان لا يأتيه أحد.

في دفتري الآن أكثر من 10 طلبات لمساجد مختلفة، بعضها يريد التجديد وبعضها يريد التوسعة، وهناك من يريد مدرسة، وهناك من يريد تجديد سجاد المسجد أو حفر بئر، بإذن الله سأعرض بعض هذه الحالات في موقعي لاحقاً.

الخميس، 7 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 4

موسم المطر في الهند يقابله الصيف في بلادنا، ما يسمونه مونسون (monsoon) هي فترة أربع أشهر من يونيو إلى سبتمبر وهي فترة المطر في الهند، هذا الموسم تعتمد عليه الهند لأنها تحصل على الماء منه ولأن الهند بلد زراعي فهي تنتظر موسم المطر، وكلما زاد المطر انتعش اقتصاد البلد أما فترات الجفاف فتعني موت المحاصيل وخسارة المزارعين وخسارة الاقتصاد كذلك.

رحلتي الثانية كانت في آخر موسم المطر هذا لكن امتد الموسم إلى آخر شهر سبتمبر، الهند في هذا الموسم تختلف عن الهند التي زرتها في أول هذا العام، الجبال السوداء أصبحت مخضرة والأشجار أصبحت أكثر كثافة واللون الأخضر يغطي كل مكان والناس يحملون معهم المظلات في كل حين، الشمس لم نرها إلا فترات قليلة والمطر لم يتوقف إلا قليلاً كل يوم.

الجو كان بارداً كفاية ولم تكن هناك حاجة لأي مكيف، غرفتي لم يكن فيها مكيف بل فقط مروحة وقد كانت كافية، بل وجدت المروحة مناسبة أكثر لي من أي مكيف، فهي هادئة ولا تستهلك طاقة كبيرة وبالتأكيد لا تأتي بالأمراض كما يفعل المكيف، لم لا نستخدم المراوح في منازلنا؟ لم منزلنا لا يحوي مروحة كبيرة في كل غرفة؟ حقيقة أستغرب ذلك، المراوح مناسبة للجو الرطب ويمكنها توفير تبريد كافي، لا أعني أننا يمكن أن نستغني كلياً عن المكيفات لكن نقلل من حجم استخدامها بقدر الإمكان، المراوح تذكرني بالبيوت القديمة، كانت تستخدم في الماضي أكثر من اليوم.

في أول ليلة قضيتها هناك هطل مطر كالشلالات، استيقظت على صوته ووقفت عند النافذة أشاهد المطر لوقت طويل، عدت للنوم بعد ذلك لكن بدأت أشعر بأن رجلي تأكلني! نسيت لدغ الباعوض، في الرحلة الماضية احتجت لأسبوعين للتخلص من آثار هذا اللدغ وتكرر الأمر في هذه الرحلة بشكل أكبر.

كنت أقضي معظم وقتي في قراءة كتب أحضرتها معي، وليس غريباً أنني أقرأ هناك أكثر مما أقرأ هنا حتى ظننت أنني لا أسافر للهند إلا للقراءة، في هذا الوقت كان المطر يهطل غزيراً وكنت أفكر بالاتصال بأخي فقط لإغاضته! في أبوظبي وفي رمضان الجو حار ورطب والحرارة تصل إلى 45 وأحياناً 50 بينما هنا الجو بارد والمطر لا يتوقف، الهنود في هذا الجانب في نعمة عظيمة.



مشكلة المطر الوحيدة كانت الطريق بين بيت داوود والمسجد القريب، الساحة أمام المسجد أصبحت طيناً يصعب المشي عليه وعلينا أن نسير في متاهة لكي نصل للمسجد وفي الليل تزداد الصعوبة مع حلول الظلام وعدم توفر إضاءة أضف لذلك وجود فضلات الحيوانات، لكن عندما يكون المطر خفيفاً كنا نحمل المضلات ونسير، نسيت كم هو جميل أن أسير تحت مظلة والمطر يهطل، الآن أتمنى أن يهطل المطر لدينا فقط لكي أشتري مظلة وأسير تحت المطر.

ساحة المسجد احتوت بحيرات صغيرة هنا وهناك وفي الليل كانت هذه البحيرات بيتاً للضفادع نسمع نقيقها طوال الليل، لو انتبه لها المرء لوجد أنها تتحدث مع بعضها البعض أو على الأقل هكذا تخيلتها، وعند اقتراب الفجر يمكن أن تسمع أصوات الغربان التي لا تهدأ طول النهار وتبدأ يومها مبكراً، والكلاب كذلك تبدأ يومها مبكراً وقد رأيت الكثير منها، الكلاب المشردة في كل مكان وفي أحيان تجتمع في الليل في ساحة كبيرة خلف بيت داوود وتبدأ في الغناء الجماعي، أعني العواء، هل يمكنك تخيل كل هذه الأصوات مرة واحدة؟ أضف لذلك أصوات الحشرات أيضاً.

في يوم ما كنت أجلس على كرسي مريح ومعي كتاب مسلي، على يساري نافذة يأتي منها الهواء البارد وأرى من خلالها المطر يهطل غزيراً، وأسمع أصوات الطيور بين حين وآخر وأحياناً أصوات الكلاب، في هذه اللحظة بالذات كنت سعيداً ... جداً! أي نعمة هذه التي أعيش فيها؟ أنا في الهند، الجو جميل، كرسي مريح، وكتاب مسلي، لا أريد شيئاً آخر.

عندما كنا نخرج بالسيارة لزيارة مسجد أو مدينة أخرى كنا نرى الجبال يغطيها الضباب، منظر بديع أتخيل أنه جاء من عالم خيالي، تذكرت رواية سيد الخواتم عندما رأيت هذه الجبال، كان الماء يهطل من الجبال على شكل شلالات صغيرة وكبيرة، كنت أرى الناس ينزلون من سياراتهم ويغرفون بأيديهم الماء ليشربوا ماء عذباً بارداً، الوديان خضراء على مد البصر وبعضها كان يخرج منها أشجار طويلة رفيعة عالية فلا أرى إلا أعمدة من الخشب الأبيض، يسمونها الشجرة الفضية، في بعض الأحيان يحوي الوادي أشجاراً عملاقة ترتفع عشرات الأمتار وعرض الواحدة منها يزيد عن عرض سيارة كبيرة، أوراقها تجمع الماء ثم تصبه قطرات كبيرة على الطرق فتصنع الحفر أو تسقط على السيارات فتسمع ضرباتها كأنها مطارق.



في يوم ما زرنا مدينة تيشكماغلور ومنها ذهبنا لزيارة مسجد بعيد في منطقة ريفية، كنت أظن أنني رأيت ريف الهند لكنني عرفت أن الأرياف تختلف فما رأيته هناك كان مختلفاً، الطرق غير معبدة والأبقار في كل مكان فالناس هناك هم رعاة أبقار ومزارعون، كان روث الأبقار في كل مكان وسيارتنا وحتى ثيابنا اتسخت، المنازل قليلة والناس قلة أيضاً ولم نرى زحاماً أو حتى سيارات كثيرة، كانت الطرق خالية إلا من المشاة والبقر، زرنا سهلاً منبسطاً واسعاً خالي من الأشجار ولولا الحياء لركضت كالمجانين وأنا أصرخ فالمكان كان خالياً من أي شيء وواسع والجو بارد جميل.

وفي اليوم الأخير من رحلتي وفي الظهر نزل مطر غزير لم أرى مثله من قبل، برق ورعد كالقنابل، كل شيء توقف، الطيور بحثت عن مأوى في الأشجار، الكلاب جلست تحت أي ظل يحميها من المطر، الناس دخلوا لمنازلهم ولم يعد هناك مخلوق يتحرك، جلست في الشرفة أشاهد المنظر لأنني أعلم أنني لن أره مرة أخرى في رحلتي هذه، استمر المطر طويلاً ولم يتوقف إلا بعد ساعة ونصف تقريباً والغريب أن الأرض تشرب هذا الماء كأنها عطشى أبد الدهر، بعد خمس دقائق من توقف المطر لم يعد هناك أثر له على الأرض.



للأسف يوتيوب لا يعرض الفيديو بدقة عالية.

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 3

blue window
هذه مقالة مصورة، في رحلتي الثانية كنت حريصاً على تصوير الطبيعة والجدران! كنت ألتقط صور الزهور وصوراً لبعض الجدران التي طليت بألوان مختلفة عما اعتدت عليه هنا في الإمارات، كان تصوير الجدران هذا غريباً عليهم، ما الذي يجعلني أصور جداراً؟ أخبرتهم أنني معجب بالألوان وأنني أريد تكوين معرض في الإنترنت يحوي فقط صور ألوان الجدران وقد جمعت 22 صورة من هذا النوع يطغى عليها اللون الأخضر على أمل أن أجمع المزيد من الألوان لاحقاً، يمكن أن تقول أنها هواية غريبة، هواية جمع الجدران؟! ربما! إليكم بعض صور الجدران:











وبالطبع لن يمر يوم أستخدم فيه الكاميرا ولا أحاول اللعب قليلاً، التقطت هذه الصورة ونحن في طريقنا إلى كيرلا
in the road

هذا موضوع خفيف اليوم، غداً بإذن الله أعود لكتابة المزيد.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 2

In the road to Chikmagalur
من اليمين: محمد ابن داوود، داوود، عبد الحميد المهندس المسؤول عن بناء مسجدي أبي والمدرسة وكذلك مساجد أخرى
الناس في الهند بسطاء، كثير منهم لم يسافر قط خارج الهند بل كثير منهم لم يسافر خارج ولايته التي ولد فيها، تصورهم عن العالم الخارجي ليس واقعياً أو ليس دقيقاً وهذا يجعلهم يتصرفون بشكل غير مرغوب فيه، هم يرون تصرفاتهم عادية وطبيعية في حين أن من سافر للخارج منهم يعلم أن هناك خطأ ما، والأمثلة كثيرة.

زرت ولاية كيرلا هذه المرة ورأيت اختلاف الثقافة بينها وبين جارتها ولاية كارناتكا، رجال كيرلا يسافرون للعمل وكثير منهم سافر إلى الخليج وجاؤوا بالثروة وأصبحوا أغنياء مع أنهم بدأوا في العمل في محل بقالة متواضع، في حين أن الناس في كارناتكا يبقون فيها ويعملون فيها واتصالهم بالعالم خارج الهند أو حتى خارج ولايتهم محدود، داوود وإخوته استثناء لأنهم سافروا للخليج واشتغلوا في وظائف مختلفة.

داوود يعمل سائقاً منذ أن جاء للإمارات في عام 1979م وحتى اليوم، لم يكمل تعليمه واضطر للعمل بسبب ظروفه العائلية، فقد أمه صغيراً ثم فقد أباه وكانت ظروفهم صعبة، جاء إلى الشارقة أول مرة وفي ذهنه أنه جاء ليرى "أحفاد الصحابة" لكن في المسجد رأى أن الأغلبية هم الهنود والباكستانيون وكبار السن من المواطنين، انتقل من عائلة لأخرى وجاء إلى أبوظبي واشتغل في عدة بيوت حتى استقر في بيتنا.

قبل أن يأتي لبيتنا كان داوود يعمل في بيت آخر وحدث خلاف بينه وبين العائلة لأنه رفض توصيل أحد أقاربهم، ولد مراهق في ذلك الوقت، رفضه كان على أساس أنه متعب وأن الظهر وقت الراحة ويمكن الانتظار إلى العصر، أمر بسيط لكنه أدى لقرار الكفيل أن يلغي كفالة داوود ويرسله إلى بلاده، في اليوم التالي كان داوود يقود السيارة ويذهب مع كفيله إلى دائرة الجوازات لكي ينهي كفيله معاملة إلغاء الكفالة، هل تتصور ذلك؟ هل تتصور أن تساعد شخصاً على إنهاء عملك؟

عاد داوود لبلاده وبقي هناك عاماً بلا عمل، وفي فترة بدأ يرى رؤية لم يفهم معناها، يرى البحر ثم سمك الهامور ثم أبي رحمه الله، تكررت الرؤيا ثلاث ليالي وبعد ذلك جاء اتصال من حسن أخو داوود والذي ما زال يعمل معنا وأخبره أن أبي بحاجة لسائق ثاني، كان أول تنبيه من أبي لداوود أن يذهب للمسجد ولا يعمل لأحد في وقت الصلاة وكانت هذه أمنية لداوود تحققت إذ كان في عمله السابق يضطر في بعض الأحيان لتأخير الصلاة.

قبل رحيل أبي عن الدنيا بسنتين بدأ داوود يلمح له بخصوص بناء المساجد والمدارس، كان يخبره أن فلان من الناس بنى مسجداً وفلانة فعلت ذلك وفلان تكفل ببناء مدرسة وهكذا يردد على أبي حتى جاء الوقت الذي يساهم أبي في بناء مسجدين ومدرسة، شاهد أبي فيلماً مصوراً لافتتاح أحد المساجد التي بناها ورحل عن الدنيا قبل أن يكتمل بناء المسجد الثاني، رحمه الله وأسكنه بيته في الجنة.

في السنوات التي اشتغل فيها داوود سائقاً في الإمارات استطاع أن ينظم أموره ويجمع ما يكفي من المال لبناء منزله، الناس هناك ظنوا أن داوود غني وأنه تاجر أو مدير شركة، زاد من يقين ظنهم أنه ساهم في بناء مساجد ومدارس عديدة ولم يعلموا أنه فقط منسق بين المتبرعين والمستفيدين من التبرع، يخبرهم "أنا سائق! دريول!" فلا يصدقونه.

في رحلتي هذه زرت في آخر يوم من رمضان مسجداً يحتاج لتوسعة، المسجد بني على أرض صغيرة ثم بنيت له توسعة لكن على أرض حكومية وبشكل غير قانوني، المهم أننا اطلعنا على المكان وأخذنا بعض الصور وسجلت البيانات الضرورية، داوود ذهب لمساحة أمام المسجد وبقيت أنا بالقرب من السيارة، اقترب شاب يلبس طاقية ويعرف القليلة من العربية فسألني "داوود يعمل عندكم؟" أجبته "داوود يعمل معنا" فسأل "مدير؟" قلت له ضاحكاً "لا، ليس مدير!" واكتفيت بذلك، لاحقاً ذكرت القصة لداوود فهز رأسه، يبدو أنه يحاول ومنذ سنوات أن يقنع الناس بأنه "مجرد سائق" لكنهم لا يريدون تصديق ذلك.

نتيجة لعدم تصديقهم هذا يزورون داوود بين حين وآخر ويطالبونه بمساعدتهم ببناء مسجد أو مدرسة أو حفر بئر وهو يسجل البيانات ويعدهم بمحاولة البحث عن متبرع ويؤكد لهم أن التوفيق من الله وأنه لا يملك شيئاً، مع ذلك يعودون لزيارته مرة بعد مرة في إلحاح متكرر لا ينقطع.

الإلحاح، لعله أكثر ما يعجبني في الهنود وأكثر ما يزعجني في نفس الوقت، لا أملك إلا أن أقدر وأحترم رغبتهم في استضافتي وداوود لكن عندما أصبح ضيفاً ينسون أن هناك مساحة محدودة في معدتي ويقدمون لي أنواعاً من الطعام وكله طعام ثقيل، الأرز والمرق واللحم والدجاج وأنواع من خبز الأرز - يسمونه دوسا - كلها تطبخ بالزيت وفي كل وجبة هناك أنواع منها وعلي أن آجرب كل واحدة منها، يسألونني هل أريد هذا أو ذاك فأشير لهم أنني اكتفيت بما لدي لكن إلحاحهم يجعلهم لا يسمعون إجابتي ويضيفون مزيداً من الطعام، كأن لسان حالهم يقول: الرجل ليس سميناً كفاية ... سمنوه!

حتى في بيت داوود يتكرر الأمر لكن بطريقة مختلفة، في يوم ما كنت متعباً وليس لي رغبة في تناول أي طعام لأن الإفطار كان كافياً، أخبرت داوود أنني سأتجاوز وجبة العشاء وأنام مباشرة فوافق، في اليوم التالي أخبرني أن زوجه تضايقت من الأمر فكان حكماً نهائياً علي بأن أتناول كل وجبة، لا أريد أن أضايق أهل داوود مرة أخرى.

في آخر يوم من الرحلة كنا على موعد لافتتاح مدرسة بنيت في منطقة جبلية نائية، كنت الضيف وكان هناك حفل بسيط واجتمع الناس والأطفال حول المدرسة وداخلها وكان حفل عادي، كلمات بسيطة ثم وجبة بسيطة والحمدلله لم يغني أحدهم طلع البدر علينا، بعد الحفل طلب منا أحد الرجال أن نذهب لمكان قريب لنشاهد مسجداً ينقصه مدرسة ثم لنشاهد مسجداً يحتاج لصيانة، الرجل كان معنا وأكل معنا مع ذلك أصر إلا أن يجرني وداوود لكي نجلس في بيت قريب له، فقط نجلس لا أكثر، ثواني ونخرج هذا كل شيء، جلست وعرفت أنها لن تكون ثواني وعرفت أن هناك صحوناً ستأتي وقد جائت فأكلت لقمة وأكل داوود لقمة وخرجنا ... الرجل ليس سميناً كفاية!

وإن تحدثت عن الإلحاح فيجب أن أتحدث عن الرياضة الوطنية التي يمارسها كل هندي، أعني البحلقة بالتأكيد! مفهوم الخصوصية في الهند مختلف، فإن كنت في الشارع وكنت مميز الشكل لأي سبب - كأن تلبس ثياباً مختلفة - ستجد الناس يبحلقون فيك طوال الوقت، ولا أعني ثواني قليلة بل دقائق، والبحلقة لا يعقبها كلام أو فعل بل يبقى الرجل يبحلق فيك كأنه لا يرى أي شيء آخر، حتى بعد الصلاة أجد بعض الرجال وبعض الأطفال يبحلقون، أحدهم ضايقني فالتفت له وبدأت أبحلق فيه فلم يتحرك فيه شيء وبقي على حاله حتى استحيت.

الخصوصية أمر مهم بالنسبة لي خصوصاً في غرفتي، لا أقبل أن يدخل غرفتي أي شخص بدون أن يطرق الباب، بل أتضايق من دخول أي شخص لغرفتي حتى لو استئذن، أعلم أن هذه أنانية لكنه شعور داخلي لا أستطيع منعه، الغرفة هي المكان الوحيد الذي أعتبره مكاني الخاص، مملكتي الصغيرة إن شئت، ألا يحق أن يكون لي مكان خاص جداً لا يدخله أحد غيري؟

على أي حال، في الهند تعلمت الدرس سريعاً، بمجرد أن علم الناس أن هناك ضيف عربي عند داوود بدأوا في زيارة بيت داوود وبعضهم اقتحم غرفتي، يطرق أحدهم الباب ثم يفتحه سريعاً، أحدهم لم يزعج نفسه بطرق الباب ففتحه مباشرة وقد كنت جالساً أقرأ كتاباً لكنني تضايقت، فأقفلت الباب، حاول أكثر من شخص فتح الباب مباشرة لكن القفل منعهم.

عند زيارتنا لأي مسجد يتجمهر الناس ويبدأون رياضة البحلقة، أريد الوضوء فيتبعني مجموعة منهم، أسأل عن الحمام فيخبرونني ويتبعوني إلى باب الحمام! أصرخ في داخلي "أتركوني لوحدي! ابتعدوا قليلاً" لكن أخرج من الحمام وأجدهم يبحلقون، أتوضأ فأجدهم يبحلقون، أدخل للمسجد وأصلي ركعتين وهم لا زالوا يمارسون رياضتهم، أخرج فيأتون بصحن وكوب شاي لي وآخر لداوود وتكون هذه فرصة لممارسة البحلقة.

مع مرور الأيام اعتدت على الأمر أو تجاهلته، هؤلاء مساكين لم يروا الدنيا خارج قراهم والعربي لديهم كائن مقدس، داوود كان يفكر بنفس الطريقة قبل أن يزور الإمارات لكنه الآن يعرف العرب فقد عاش معهم 30 عاماً، لذلك كنت أذكر نفسي بألا أتضايق وأتذكر أن الأمر مؤقت، كلها نصف ساعة وأعود إلى الطريق.

تعرفت هناك على عدة أشخاص من بينهم الشاب أكرم، شاب مثقف لا أعرف عنه الكثير سوى أنه جامعي ومتفوق في دراسته ويقرأ بنهم، في رحلتي الأولى التقيت به في بيت أحد أقارب داوود وهناك أهديته كتاباً يجمع مقالات الصحفي البريطاني روبرت فيسك، أعطيته عنوان البريد الإلكتروني الخاص بي وكانت بيننا نقاش طوال الأشهر الماضية، في هذه الرحلة التقت به سريعاً لأهديه بعض الكتب وطلبت منه أن يزورني في بيت داوود وقد فعل في اليوم قبل الأخير، اليوم المخصص للراحة، جاء في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر فجلسنا في الشرفة العلوية، تناولنا بعض الخبز والشاي وبدأ نقاشنا حول كل شيء، الكتب، السياسة في الهند، الكتب، الفضاء ونظرية التطور وعلاقة الصحة بعدد الأطفال في كل منزل، الكتب مرة أخرى ... كنا ننتقل من موضوع لآخر وبقينا هكذا حتى الساعة العاشرة صباحاً.

أهداني رواية A Passage to India ومجلة هندية تنشر باللغة الإنجليزية وطلبت منه مراسلتي مرة أخرى، ولم ألتقط له صورة لأنني أعرف أنه لا يحب الصور، واتفقنا أن الوقت لن يكون كافياً أبداً لأن النقاش لن ينتهي، كلانا نحب الكتب ولدينا اهتمامات واسعة وكل معلومة لدينا لها رابط أو روابط بمعلومات ومواضيع أخرى وبالتالي كل فكرة تجر أختها بلا نهاية.

شخص آخر تعرفت عليه في الرحلة الماضية وزرته في هذه الرحلة هو المصور الهندوسي وقد كتبت عنه في موضوع سابق، زرته في الاستدوديو الخاص به، كان سعيداً بالزيارة وحاول أن يكرر فعله بأن يقبل يده ويضعها على قدمي لكنني منعته وصافحته، كذكل فعل داوود، عرفني بولده وبنته وهؤلاء حاولوا فعل نفس الحركة لكن منعناهم، صافحناهم ثم اكتشفت أن أمهم موجودة في المحل خلف المكتب، ألقيت التحية، طلب مني المصور أن يلتقط صورة لي فوافقت، ثم أراني صورة أخرى من رحلة سابقة علقها على الجدار، شكرته ثم خرجنا، زيارة سريعة أسعدت الرجل وأتمنى أن تجعله يقترب من الهداية ولو خطوة، قلت لداوود أنني أدعوا الله أن يهدي الرجل وعائلته وعليهم الدعاء أيضاً ولتدعوا له أنتم كذلك.

الأحد، 3 أكتوبر 2010

الرحلة الثانية - 1

السفر مهما كان هدفه سيبقى تعباً، الانتقال من مكان لآخر متعب، تغيير الأماكن والوجوه والعادات كلها أنواع من التعب، وقد كانت رحلتي متعبة حقاً هذه المرة، البداية كانت في رمضان، سفري إلى الهند سيكون في ليلة 28 من رمضان وسأتناول سحوري على الطائرة لكن هل سأصوم يومي وأنا أستخدم وسائل مواصلات مختلفة؟ يمكنني أن آخذ برخصة الإفطار لكن لم أفعل وقررت أن أكمل صومي إلا إذا أتعبني السفر وقد كان متعباً.

اشتريت تذكرة من طيران الاتحاد على أمل أن تكون الطيارة كبيرة لكنها لم تكن، الكراسي ضيقة والمساحة بين المقاعد صغيرة ومدة الطيران 3 ساعات ونصف، الوقوف طوال الرحلة سيكون مريحاً أكثر من الجلوس على هذه المقاعد، أضف إلى ذلك أنني بدأت أكره الطيران فعلاً وهذا ليس خوفاً من الطيران بقدر ما هو إيمان بأن الطائرات وسيلة نقل غير طبيعية فهي أسرع من اللازم، قطع مسافات طويلة في وقت قصير له فوائده بالتأكيد لكن تأثيره على الجسم لا يمكن إنكاره فالساعة الداخلية تختل وأشعر بالدوار.

كانت هناك شاشة أمامي وجهاز تحكم، الركاب من حولي وضعوا الأفلام المختلفة وبدأوا في مشاهدتها وبعضهم يستمع للأغاني أما أنا فقد كنت أبحث عن زر إغلاق الشاشة فلم أجده فاخترت برنامجاً يعرض مكان الطائرة والمدة المتبقية للرحلة، جاء العشاء أو السحور وقد اخترت ما يسمى كيما وهو لحم مفروم مع الفاصوليا الخضراء والأرز، وجبة هندية معروفة.

للأسف يعجبني أكل الطائرات! لا تسألني لماذا، هناك شيء ما يجعلني أنتظر وجبات الطائرات، أعلم أن هذا الطعام ليس بمستوى يستحق أن أترقب وصوله، أعلم أن هناك مشاهير من الطباخين حول العالم ينتقدون هذا الطعام ويصفونه بالأكل الممل والخالي من الطعم بل وبعضهم يسعى لتطوير هذا الطعام، مع كل هذا أجدني معجب بهذا الطعام وحتى الآن لا أفهم لماذا.

بعد تناول طعامي بدأت أقضي بعض الوقت في حفظ الأدعية من كتيب صغير وقد كنت أحمل كتاباً معي لكن لم أكن في حالة تسمح بالقراءة، الطائرة كانت ترتفع وتهبط بنا بين حين وآخر كأنها تحاول أن تجبرني على إعادة العشاء الذي تناولته لتوي، حاولت النوم ولم أستطع فأكملت رحلتي مبحلقاً في الشاشة التي أمامي وأحاول في نفس الوقت مراجعة حفظ الأدعية.

هبطنا في مطار كليكوت وهو المطار الذي لم أعرف اسمه الفعلي، فقبل شراء التذكرة كنت أبحث عن اسم المطار فوجدت اسم المدينة الأول وهو كويكود (Kozhikode) لكن هناك اسم ثاني أيضاً وهو كاليكوت (Calicut) وفي نفس الوقت وجدت اسم مدينة أخرى هي كوتشي (Kochi) والتي لها اسم آخر وهو كوتشن (Cochin) وظننت أن هذه الأسماء الأربعة كلها تشير لمكان واحد، وفي موقع طيران الاتحاد زادت حيرتي لأنني عرفت أن هناك مدينتان في ولاية كيرلا يمكن السفر لهما مباشرة لكن لا أدري أي واحدة يقصدها داوود، احتجت لسؤال أخو داوود مرات عديدة لأتأكد أن المدينة المقصودة هي كاليكوت وهو بدوره لا يفهم معنى وجود أسماء متعددة لنفس الأماكن.

مطار كويكود أو كاليكوت كبير وحديث نسبياً مقارنة مع مطارات أخرى في الهند، مشيت مسافة طويلة بين الطائرة ومكاتب الجوازات وعندما وصلت رأيت طابوراً كبيراً أمامي فوقفت مع الناس، بعد دقائق جاء رجل يعمل في المطار وأشار لي بأن أتبعه، عقلي قفز فوراً لأسوأ احتمال وعقلي يفعل ذلك دائماً، ظننت أنني سأتورط في مشكلة مع أمن المطار، طلب مني الرجل أن أجلس في كرسي في زاوية بعيدة وبعدها جاء رجل هندي وجلس بجواري فكلمته بالإنجليزية أسأله لم جاؤوا بي إلى هنا فأخبرني أن موظف المطار قريب له وأنه يريد إنهاء معاملتي قبل الجميع! مشنقة أخرى علقتها لنفسي في الهواء لم يكن لها أي داعي.

خلال دقائق أنهى الرجل ختم جوازي وتأكد من بياناتي وخرجت من القاعة لأذهب نحو قاعة الحقائب، عندما أسافر فأنا أحمل معي حقيبتان، واحدة للملابس وكل شيء آخر والثانية حقيبة للكتف صغيرة أحملها معي في الطائرة وتحوي النقود وجواز السفر وتذكرة العودة وكتاب ودفتر وقلم، هذه الحقيبة الصغيرة تبقى معي طوال الرحلة ولا تفارقني لحظة، ومع أنني لا أحمل الكثير إلا أنني أجد نفسي أفكر في تبسيط ما أحمله معي فمثلاً في رحلتي السابقة كنت أحمل معي مزيداً من الملابس والأدوية وفي هذه الرحلة قررت ألا أحمل معي أي أدوية وأن أقلل من الملابس لأقل حد ممكن، وبعد هذه الرحلة يمكنني أن أذهب لرحلة ثالثة بملابس أقل بكثير وبالتالي حقيبة أصغر وبالتالي حقيبة واحدة أحملها معي في كل مكان وتحوي كل شيء.

موضوع السفر بحقيبة واحدة هذا قد يراه البعض سخيفاً أو غير واقعي، شخصياً أرى السفر بأثقال كثيرة نوع من التعذيب لا أريد أن أمارسه في حق نفسي، إن كان السفر تعباً فلم أضيف لنفسي تعباً آخر بحمل أثقال لا أحتاجها؟ متعة السفر أجدها بحمل أقل ما يمكن من أغراض.

بعد طول انتظار وصلت حقيبتي وذهبت إلى باب المطار وهناك التقيت بداوود وابنه محمد، وخارج باب المطار ذهبنا لطرف موقف السيارات وهناك كان السحور جاهزاً! - سحور ثاني بالنسبة لي - أكلناه ونحن واقفون، كوب شاي ثم كوب ماء ثم انطلقنا إلى محطة القطارات، في الطريق توقفنا عند أحد المساجد عندما سمعنا أذان الفجر وقد كنت بحاجة ماسة للتوقف فقد كنت أشعر بصداع رهيب وحرارة وآخر ما أريده هو المزيد من الجلوس، صلينا وأكملنا السير، في الطريق كان الهواء بارداً وكنت أرى الرجال يسيرون عائدين من المساجد، يمكنك معرفة المسلمين بسهولة فهم يلبسون ثياباً بيضاء وغالباً ما يغطون رؤوسهم بطاقية بيضاء أيضاً.

Kozhikode railway station

وصلنا لمحطة القطار مبكراً وكان علينا أن ننتظر ساعتين تقريباً حتى نركب القطار الذي سيذهب بنا إلى مانجلور، هذه المرة الأولى التي أركب فيها قطاراً، المحطة صغيرة لكن طويلة وتحوي مقاعد على طول الرصيف، كانت السماعات تعلن وصول قطار أو ذهاب قطار ثم تسمعنا إعلاناً وتكرره، وكانت هناك شاشات تلفاز مسطحة تعرض إعلانات بلا توقف وبصوت عالي، هل يمكنك تخيل الأمر؟ متعب ومرهق وأشعر بحرارتي مرتفعة بعض الشيء وصداع لا يطاق وفوق كل هذا إزعاج لا يطاق.

أردت الذهاب إلى الحمام - أجلكم الله - فذهب معي داوود لكي يدفع للحارسة أمام الحمام! وهذا أمر طريف حقاً لأن الحارسة تأخذ مبلغاً بحسب استخدامي للحمام، بمعنى آخر علي أن أخبرها مسبقاً بما سأفعله في الحمام وأدفع مقابل ذلك 5 روبيات أو 10 روبيات بحسب الاستخدام، هل يمكنك تخيل ذلك؟

جلسنا ننتظر القطار والإزعاج يكاد يفتك بي، رأيت أنني مجبر على التعايش مع هذا الإزعاج وأن علي تطبيق ما قرأته في بعض الكتب، خلعت النظارة من وجهي وأمسكتها بيدي، خفضت رأسي كأنني أنظر في الأرض تحت قدمي وأغمضت عيني وحاولت ألا أنتبه لأي شيء حولي وألا أفكر بأي شيء وأن أجعل عقلي مساحة فارغة تماماً، وللمرة الأولى في حياتي نجحت في فعل ذلك، ربما بسبب إرهاقي، بقيت على هذا الحال لنصف ساعة أو أكثر وعندما رفعت رأسي وجدت داوود يفعل نفس الشيء لكنه نائم، نصف ساعة كانت كافية لإزالة جزء لا بأس به من الصداع والتعب، هل هذا ما يسمونه التأمل؟ لا أدري، أياً كان اسمه فهو مفيد فعلاً.

داوود سمع إعلان وصول القطار فأخبرني أن علي المشي بسرعة لآخر المحطة فالعربة التي حجزنا فيها ستكون في آخر القطار، قطارات الهند تحتاج لموضوع خاص فالهند تحوي إحدى أقدم شبكات خطوط الحديد، القطار الذي ركبناه يستخدم محرك الديزل ويحوي 3 دراجات للتذاكر، الدرجة الأفضل تحوي مقصوراتها على مكيف وأسرة للنوم والمقصورة التي ركبناها كانت من هذا النوع.

الآن أتمنى لو أنني أستطيع كتابة شيء عن تجربتي الأولى مع القطار، الصورة الرومانسية للقطارات في ذهني لم أجدها هناك ليس بسبب القطار أو الناس بل بسببي أنا، يمكنني أن أصف القطار بأنه آلة للزمن فقد ركبت القطار وعرفت مكاني ووضعت رأسي لأرفعه بعد قليل وأكتشف أننا وصلنا إلى مانغلور، رحلة 4 ساعات أصبحت بالنسبة لي مجرد دقيقة بسبب تعبي ونومي طوال الرحلة.

مزيد من المشي والإزعاج في محطة مانغلور، ذهبنا إلى السيارة التي استأجرها داوود - وقد قلت في موضوع سابق أنه اشتراها لكن هذا غير صحيح - ولا زال أمامنا طريق طويل بين مانغلور وبيت داوود في منطقة تسمى بيلتنغادي، وطول الطريق أمر نسبي لأنه قد يكون طريقاً قصيراً بعدد الكيلومرات لكنه طويل بتعرجه وارتفاعه وانخفاضه، وبما أننا في موسم المطر حالة الطرق أسوأ من حالها في قبل بداية موسم المطر، هناك حفر في كل مكان وكل حفرة نمر فوقها تعني صداعاً أكبر.

وصلنا لبيت داوود وقد كان العمال يعملون على إنجاز التفاصيل في الطابق الثاني، هناك غرفتان في الطابق العلوي واحدة كانت غرفتي طوال أيام الرحلة والثانية لابني داوود والمساحة بينهما كانت غرفة جلوس يعلوها سقف مرتفع ونوافذ عالية، كنا نصلي في هذه الغرفة عندما يهطل المطر غزيراً أو في اليوم الأول عندما كنا متعبين من السفر.

كنت أتطلع في زيارتي هذه أن أرى عادات المسلمين في رمضان لكنني لم أجد شيئاً يستحق الذكر، رمضانهم لا يختلف عن رمضاننا إلا في زيادة جرعات الدعاء الجماعي بعد كل صلاة وفي صلاة التراويح، أما غير ذلك فكل شيء كما هو وكما وصفته في مواضيع رحلتي السابقة.

في أيام الرحلة كنا نستخدم سيارة سوزوكي صغيرة  وكانت الطرق في أسوأ حال لها بسبب المطر، الطريق الذي يحتاج ساعة سيحتاج ساعتين أو أكثر، في كل يوم نخرج في الصباح الباكر وأكون متفائلاً وسعيداً لكن بعد 3 ساعات على الطريق يذهب التفاؤل ليحل محله التعب والضيق ومحاولة التماسك لكي لا أفرغ معدتي، لكن مع مرور الأيام تصبح كل رحلة بالسيارة شاقة أكثر من سابقتها حتى اقترح داوود أن أخصص يوماً قبل عودتي للراحة فقط، يوم كامل لا أفعل فيه شيئاً وقد كان ضرورياً أن أرتاح قبل عودتي لأن رحلة العودة ستحوي كل شيء ذكرته أعلاه، الطريق إلى مانغلور بالسيارة، ثم القطار إلى كاليكوت، ثم سيارة أخرى إلى المطار ثم الطيارة.

مرة أخرى في رحلة العودة ركبنا مقصورة مكيفة في القطار لكي ننام ولم أنم جيداً وكان الظلام يحيط بنا وبالتالي لا يمكن مشاهدة شيء خارج القطار إلا مصابيح متفرقة هنا وهناك، في الطريق إلى مطار كاليكوت طلبت منهم التوقف عند أي مسجد لأنني أريد الحمام فتوقفوا فوجدت أن الحمام هناك بدون سقف وحتى الجدران لا تزيد متر ونصف وبين الحمام والآخر مجرد جدار، لو لم أكن مضطراً لصبرت حتى المطار.

لم يكن هناك شيء مميز في المطار، أنهيت معاملتي بسرعة وانتظرت الطيارة ثم ركبنا الطائرة لكن الطيار أخبرنا أن الظروف الجوية غير مناسبة فقد كان الضباب كثيفاً، بعد 10 دقائق بدأت الرحلة وقد طلبت كرسياً في آخر صف فأعطوني واحداً بجانب النافذة وهذا يعني أن على الجانب الآخر مسافران آخران وهذا أبقاني جالساً طوال الرحلة لكن التعويض كان في ما كنت أراه خارج الطائرة.

الرحلة كانت في وقت صلاة الفجر تقريباً وعندما بدأت الطائرة بالتحليق ألصقت وجهي بالنافذة فرأيت السحاب ونحن نمر عبره ثم فوقه، يا إلهي كم كان هذا منظراً بديعاً، الشمس تشرق من خلف السحاب والسحاب كأنه أرض تحتنا يرتفع وينزل وله أجزاء كالجبال وأخرى كالبحار لكنها بلون واحد صافي وفوق السحاب لون السماء أزرق عميق بلا أي تشويش والشمس تضيف لكل هذا المنظر سحراً ودفئاً ودرجات من الأصفر والأحمر، لم أفكر بالكاميرا، لم أفكر بالقلم، هذا ليس وقت كتابة ولا تصوير، أردت أن أعيش اللحظة بدلاً من أن أسجلها في دفتر أو صورة، كنت أردد "سبحان الله" وذهني لا يمكنه التفكير في شيء غير هذا المنظر العجيب، جاء سحاب رمادي وآخر أزرق والشمس تعطي الضوء والظل لكل هذا المنظر فلا تمل النفس من رؤية هذا الجمال، ارتفعنا أكثر وأصبحنا فوق البحر ولا زال السحاب بحراً فوق البحر لم ينقطع حتى وصلنا لعمان وهناك رأيت جمالاً من نوع آخر، جبال سوداء خالية لا حياة فيها، صحراء حمراء تتخللها الطرق أو المنازل وأحياناً المزارع، نسير لنصف ساعة ولا أرى غير الصحراء الخالية بكثبانها الجميلة.

ثم رأيت منظراً لم أره في حياتي من قبل، الضباب يغطي الصحراء بطبقات مختلفة فأرى في بعض الأحيان ما تحت الضباب وفي أحيان لا أرى إلا اللون الأبيض وأحياناً لا يكون هناك أي ضباب فأرى بوضوح قطعة من الصحراء أو طريق أو مزرعة، بعد دقائق رأيت بنايات تمتد فوق الضباب وبدأت ألاحظ أن الطيار لا يسير في طريق مستقيم نحو مطار أبوظبي، بدأ يدور دورة كبيرة فعرفت أن هناك مشكلة في الهبوط بسبب الضباب، لكن هبطنا في مدرج بعيد لا يغطيه إلا ضباب خفيف وسبب الضباب تأخرت الطائرة ساعة عن موعد وصولها، الوقت بين الهبوط والخروج من الطائرة كان أشد علي من أي شيء آخر، أردت الخروج بسرعة لكن مارست الصبر وانتظرت خروج معظم الركاب قبلي.

أردت أن أشعر بشيء في هذه اللحظات وأنا أسير في مطار أبوظبي وأختم جوازي وأحمل حقيبتي لكن لم أكن أشعر بأي شيء، كان المطار مزدحماً وكنت في عالم آخر غير المطار، تمنيت لو أنني بقيت في الهند أياماً أخرى وبدأت أفكر في رحلة ثالثة لا أعلم متى ستأتي ولا أظن أنها ستأتي قريباً.

السبت، 2 أكتوبر 2010

تجربتي الأولى في جمع التبرعات

أخبرني داوود أن علينا رؤية مدرسة قريبة وبالقرب منها هناك منزل رجل قريب لداوود أصر على استضافتنا، توقفنا أمام منزله المتواضع ودخلنا المنزل الصغير، الرجل كبير في السن ولم يرزق بأبناء، جلسنا حول طاولة ودخل الرجل وعاد بعد قليل بصحون من البطيخ والتفاح والرمان ثم دخل مرة أخرى، تناولت ما أمكن من الرمان والتفاح أما البطيخ فلم أعد أطيق رائحته لسبب أجهله!

كانوا يتحدثون بلغتهم وأنا ألتقط بعض الكلام هنا وهناك، كان معنا إمام مسجد شاب وكان يتحدث مع داوود عن عمر صاحب المنزل فأخبره داوود أن الرجل يبلغ من العمر 73 عاماً فعلق الإمام "بونس" وضحك وضحكوا معه لكنني غضبت من التعليق ولم أبين ذلك، ذكروا الحديث المعروف "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين" وبين الإمام أن الرجل يحصل على "بونس" بتجاوزه للسبعين فذكرت له أن جدتي حفظها الله تجاوزت التسعين أو هكذا أظن ولا ينبغي أن يقول تعليقه هذا فالأعمار بيد الله، أفكر بالأمر الآن فأجد أنني لا أفهم سبب غضبي.

ذكر داوود أن صاحب المنزل يريد الذهاب للحج منذ سنين ولم يفلح فوعدته بأن أجمع له التبرعات وأن أكتب موضوع جمع التبرعات كأول موضوع بعد عودتي.

أخبروني عن الرجل أنه كان غنياً لكنه لم يرزق بأطفال فاهتم بأقاربه وأطفالهم وباع بيته الكبير واكتفى ببيته الصغير ووزع كل ما يمكله على أقاربه حتى أصبح فقيراً، قلت لداوود أن الله كتب له أن أزوره وأن أعده بجمع تبرعات لإرساله للحج وأنني لم أفلح في جمع التبرعات إلا بتوفيق من الله.

في يوم عودتي كتبت الموضوع وكان هذا قبل خمس عشر يوماً تقريباً، لم أتوقع أنني سأجمع المال خلال هذه المدة لكن كل يوم تصلني رسالة أو اثنتين، أحدهم يريد التبرع بمبلغ 500 درهم، وآخر بمبلغ 1000 درهم، ثم هناك من يخبرني بأنه يجمع بنفسه مبالغ مختلفة من الأقارب أو الزملاء ويرسلها بعد ذلك، التبرعات جائت من عمان، السعودية، أستراليا، أمريكا وبالتأكيد من أبوظبي ودبي والشارقة، في كل يوم يمضي يزداد يقيني أن هذه بركة الرجل وتقدير من الله وليس لي يد في ذلك، أسعدتني ثقة الناس ومبادرتهم واجتمعت المبالغ شيئاً فشيئاً فتجاوزت النصف وأكثر وختمنا الأمر بتبرع من رجل تولى إكمال المبلغ المتبقي، عندما استلمت آخر مبلغ احتجت لوقت لكي أدرك حقيقة أنني جمعت المبلغ المطلوب كاملاً.

هذا كرم من الله أن وفقني وجميع المتبرعين لكي نجمع المبلغ لإرسال الرجل وزوجه للحج، وليعلم كل متبرع أن الرجل وزوجه وأسرهم يدعون لكم منذ أن سمعوا أنني أجمع التبرعات وبإذن الله سيكون لكل من ساهم أجر حجة فردين ومن يدري لعلنا نستطيع المساهمة في حج فرد ثالث.

علي أن أذكر بعض أخطائي هنا، لم أكن مستعداً لجمع التبرعات فأخوكم العبد الفقير لله ليس لديه حساب مصرفي وآخر حساب لي أغلقته لأن البنك بدأ يأكل منه 35 درهم كل شهر لأنه لا يحوي سوى القليل من المال ولول أبقيته لبدأت أدفع للبنك لإبقاء الحساب مفتوحاً، ولو فعلت ذلك سأتهم البنك بالسرقة وأتهم نفسي بالغباء!

الخيار الوحيد الذي وفرته هو الوسترن يونين وتبين لي أن هذا خيار غير مناسب من ناحية أن هناك طرق قد تكون أرخص لإرسال المبالغ كإرسالها عن طريقة شركة الصرافة مثلاً بدون وسترن يونين، والبعض يقول أن الإرسال من خلال مصرف أسهل لكن ليس لدي حساب وقد اضطررت للاستعانة بحساب أهلي لمن يريد إرسال تبرعه لحساب مصرفي بدلاً من خلال خدمة وسترن يونيون، وهناك من اقترح استخدام باي بال (Paypal) وليس لدي أدنى فكرة عن هذه الخدمة وهل يمكن استخدامها لاستقبال المال في بلادنا أم لا، وهناك اقتراح آخر بأن أفتح حساب إيداع لكن لدي شك أن هذا لا يمكن لفرد أن يفعله بل المؤسسات.

كان علي توفير خيارات متنوعة لاستقبال التبرعات، هذا أول خطأ.

الثاني بسيط لكنه محرج حقيقة ولم يحدث سوى مرة واحدة، كنت أستقبل الرسائل على بريدي وأرد عليه واستخدمت البريد كوسيلة تنظيم، كل متبرع كان يرد على نفس الرسالة فأستطيع أن أحذف الرسالة بعد التبرع مباشرة على أساس أن العمل انتهى، أحد المتبرعين أرسل رسالة جديدة ليخبرني بإرسال التبرع فحصلت على المبلغ وأخبرته بذلك وشكرته ثم حذفت الرسالة لكنني نسيت رسالته السابقة القديمة التي لم أحذفها، ظننت أنهما شخصان مختلفان فراسلته بعد أيام أنني لا زلت أنتظر فذكرني بأنه أرسل المبلغ ... حقيقة أردت في هذه اللحظة أن أدس رأسي في أقرب سطل من الرمل، خطأ بسيط كان يمكن تجنبه بإعداد جدول بسيط، أعتذر للأخ الكريم مرة أخرى.

الخطأ الثالث ليس خطأ بقدر ما هو عدم توفر أداة مناسبة وعدم توفر الوقت للبحث عن أي أداة، من المفترض أن جمع التبرعات من خلال الشبكة أن ينجز من خلال موقع خاص يوفر واجهة سهلة تبين للجميع ومباشرة ما وصل من مبالغ وما تبقى، المدونة ليس مكاناً مناسباً لفعل ذلك، هناك مواقع أجنبية توفر مثل هذه الخدمات لكنني لا أعرف منها سوى الاسم ولم أجرب شيئاً منها.

لدي الآن مشروعان أحدهما صغير والآخر كبير وكلاهما مشروعان يستفيدان منه مجموعة من الناس وليس أفراد، إن عزمت على جمع التبرعات لهما سأحاول بقدر الإمكان تجنب هذه الأخطاء.

بقي أن أجيب على بعض الأسئلة التي طرحت علي في تويتر، لم أقرر العمل في هذا المجال - أعني العمل الخيري - بل جاء الأمر نتيجة ظروف مختلفة، تبرع أبي رحمه الله فساهم في بناء مسجدين ومدرسة وزرتهما بعد وفاته رحمه الله وقد كانت فرصة للكتابة عن الهند وعن المسلمين وفرصة لفعل شيء وقد استطعت بحمد الله أن أنسق مع متبرع فبنى مسجداً وسيكون لي حديث عن هذه المدرسة، ثم زيارتي الثانية كان هدفها افتتاح المدرسة والإطلاع على مساجد ومدارس مختلفة مختلفة بحاجة لبناء أو صيانة وقد وجدت فرصة للمساهمة فساهمت بما أستطيع: كتابة موضوع في مدونتي، لا أستطيع أن أقول أنني "أمارس" العمل الخيري بل هي مبادرتين فقط.

لماذا الهند؟ لأن داوود من الهند ولأن أبي بنى المسجدين والمدرسة في الهند وهو لم يزرهما من قبل ولأنني سافرت مرتين لهذا البلد، لم يكن القرار مسبقاً بل جاء نتيجة الظروف.

هل سأمارس العمل الخيري في الإمارات؟ فكرت جدياً بهذا ووجدت أن العمل هنا أصعب من العمل هناك، يمكنني هناك المساهمة بسهولة ويسر أما هنا فالعمل الخيري صعب لأسباب مختلفة، على الأقل صعب بالنسبة لي وأعلم أن هناك من يمارسه في البلاد، هناك مؤسسات خيرية تابعة لشركات عائلية معروفة تساهم بما تستطيعه في البلاد وخارجها، شخصياً سأركز فقط على الهند وبالتحديد ولاية كارناتكا التي جاء منها داوود.